أ.د. حسين الزيادي
القرار المرفق ربطاً صادر من مجلس قيادة الثورة المنحل يحمل الرقم (840) بتاريخ 4/11/1986، وهو قرار يستل روح العدالة ويضعها تحت سنابك الطغيان كما سيتضح للمتلقي، وهذا القرار الذي اعتمد على المادة (42) من الدستور المؤقت لعام 1970 في مضمومنه وشكله الظاهري يحمل تناقضاً مع مواد دستورية، أي أنه يخالف ما نصت عليه المادة 26 و25 من الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 وهو أمر سيأتي بيانه، وبهذا فالقرار لا يحظى بالمشروعية؛ لأنه لا ينسجم مع نص الدستور، ولا يراعي مصالح الشعب أو الفئة التي استهدفها، أما شرعية القرار فعلى الرغم من أنه ارتكز على مادة دستورية، إلا أنه فاقد للشرعية؛ لأن الأخيرة كما هو معروف تفرزها صناديق الاقتراع وثقة الشعب.
متن القرار
احتوى القرار على تعديل لنص المادة 225 التي كانت تنص على: (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه(، فجاء التعديل بشكل أوسع، وأكثر تفصيلاً، وأشد عقوبة؛ ليكون السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة عقوبةً لمن أهان رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، أو مجلس قيادة الثورة، أو حزب البعث العربي الاشتراكي، أو المجلس الوطني، وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت الإهانة أو التهجم بشكل سافر ويقصد إثارة الرأي العام ضد السلطة.
أما الفقرة الثانية من القرار فقد نصت على عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو بالغرامة على من أهان بإحدى طرق العلانية المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من السلطات العامة أو الدوائر أو المؤسسات الحكومية، وهذه الفقرة جاءت بديلة عن المادة (226) التي ألغيت في هذا القرار؛ لأن الفقرة الثانية من القرار توسعت في تفصيل العقوبة لتشمل كل من أهان السلطات العامة أو الدوائر أو المؤسسات الحكومية فضلا عن المحاكم والقوات المسلحة
مخالفات القرار
1- إن القرار (840) نص على معاقبة كل من يهين السلطات بالسجن أو الغرامة، ولم يحدد نوع الإهانة وطريقتها والظروف المحيطة بها، أي أنه جاء بشكل مبهم، وقابل للاجتهاد والتأويل، فقد تكون بعض الكلمات غير مهينة لأحد، ويمكن أن يعاقب عليها القانون، بالتالي فالقرار ملغّم ويمكن استعماله لقمع من يريد النظام قمعه، أي أنه يُستخدم بحسب المزاجات السياسية، وأحيانا يكون الفعل الصادر غير مقصود منه توجيه الإهانة أو أنه حدث سهواً، وقد حدثت العديد من الحوادث على هذه الشاكلة، كأن يمزق أحدهم صحيفة لم ينتبه لوجود صورة لهرم السلطة فيها.
2- هذه القرار يتعارض تماماً مع بعض مواد دستور 1970 المؤقت الذي كفل حرية الرأي والتعبير، فقد نصت المادة السادسة والعشرون: يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي، أما المادة الخامسة والعشرون: حرية الأديان والمعتقدات وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، على ألا يتعارض ذلك مع أحكام الدستور والقوانين، وألا ينافي الآداب والنظام العام.
3- المشكلة الأخرى تتمثل في توقيت القرار الذي صدر بتاريخ 4/11/1986 ولا شك أن هذا التاريخ شهد ذروة الحرب العراقية الإيرانية، وكانت محافظات العراق والجنوب خاصةً تستقبل قوافل الشهداء بلا هوادة، فماذا ننتظر من أم تثكل بولدها، أو زوجة ترمل بزوجها، أو أب ينكسر ظهرة لفراق ولده، أو أخ حلت عليه مصيبة فقد أخيه، فأغلب هؤلاء يفقدون توازنهم ويتعرضون لحالة نفسية مضطربة، بسبب الفقد لذلك لا يؤمن تجاوزهم على من سبب وشتم قتل أولادهم وأحباءهم.
4- افتقد القرار لمبدأ قانوني مهم وهو مبدأ التناسب بين ما اعتبره القرار جريمة والعقوبة المخصصة، فليس هناك أي تناسب بين قيمة الضرر الناجم، وقيمة الألم الذي تحدثه العقوبة، وهذا المبدأ عموماً لم يكن له حظاً من التطبيق في تشريعات نظام البعث أو في مجال تطبيقاته العملية؛ لأن الأخير لا يعي الفقه القانوني للعقوبة، فجعل القرار عقوبة الإهانة التي غالباً ما تكون لفظية هي السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، وتصل العقوبة إلى الإعدام في حالات أخرى حددها القرار، وهي عقوبات تفتقد للجانب الإنساني.
مخالفات القرار للعهود والمواثيق الدولية
تعد حرية التعبير هي أصل جميع الحريات التي تتصل بإبداء الآراء والتعبير عنها بكافة الوسائل؛ لذا تندرج تحت راية حرية التعبير حزمة من الحريات الأخرى ذات الصلة کحرية الصحافة، وحرية الإعلام، وحرية تداول المعلومات، والحق في الإضراب، والحق في التجمع (التظاهر والاعتصام.. الخ) والحق في التنظيم، وتتوقف ممارسة هذه الحريات على كفالة حرية التعبير ابتداءً، نظراً لأنها الحرية الأصل، التي إن انتقصت امتدّ هذا الانتقاص إلى سائر المنظومة، وحمايتها تعني حماية لهذه الحريات، فهي بمثابة الحرية الأم.
وتجدر الإشارة إلى أن الإقرار بحرية الرأي تعني إلى جانب الإقرار بحق الآخرين في اعتناق المعتقدات والأفكار التي يريدونها، دون تقييد أو منع بغض النظر عن طبيعة هذا الاعتقاد؛ الإقرار بحق الآخرين في المعارضة، وفي وجود تعددية سياسية تمارس نشاطاتها ضمن إطار قانوني يضمن التوازن بين الأمن والحرية وحق المعارضة والاختلاف لذلك جاءت هذه الحرية في:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وهو أول وثيقة خاصة بحقوق الإنسان أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948، ويتألف من ديباجة و(30) مادة خصصت لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتنص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل مباشر على الحق في حرية الرأي والتعبير، إذ أشارت إلى أن: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت من دون تقييد بالحدود الجغرافية.
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: وقد أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 وبدأ تطبيقه 1976، وقد أعطى العهد الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأول مرة صفة الإلزام القانوني، وجاءت المادة (19) من العهد لتنص الفقرة الأولى منها على حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير والإعلام، إذ نصت على أن لكل إنسان حق في اعتناق آراء من دون مضايقة، وتنص الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه: لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة أخرى يختارها
المصادر
1- هالة السيد الهلالي، حرية الرأي والتعبير بين المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، المجلد 19، 2018.
2- حربة، سليم إبراهيم وعبد الأمير العكيلي، شرح أصول المحاكمات الجزائية، شركة العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 2008.
3- الحيدري، جمال ابراهيم، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات، مكتبة السنهوري، 2015.
4- دستور العراق المؤقت 1970م.