banarlogo

الآثار التربوية والنفسية التي خلفها نظام البعث البائد على المنظومة التربوية التعليمية

الدكتور علي الفريجي

 

 

لقد شهد العراق خلال حقبة حكم البعث، وخصوصاً في عهد المجرم صدام حسين (1979-2003) تحولات عميقة في معظم قطاعات الدولة، وقد كان قطاع التعليم واحداً من أكثر القطاعات تأثراً، سواءً من حيث البنية المؤسسية أم المضامين النفسية أم الأهداف التربوية.

لقد هيمنت أيدولوجيا البعث على المنهج الدراسي، ووظِّف التعليم بوصفه أداة لنشر أفكار الحزب الواحد، وتعظيم شخصية القائد، أو شخصية الرمز وتقديسها، ولقد استعملت مجموعة من المواد الدراسية لنشر مثل هذه الأفكار الهدامة (التربية الوطنية، التأريخ) وغيرها من المواد الدراسية، إذ تم التركيز من خلالها على تمجيد حزب البعث، ورأس النظام، وتجاهل التنوع الفكري السياسي في المجتمع العراقي؛ إذ نجد في كتاب التربية الوطنية للصف الثالث متوسط درسًا بعنوان القائد المعلم، والقائد الرمز، وهي دروس مخصصة بالكامل للحديث عن حكمة رأس النظام، وتقديمه كقائد لا يخطئ، وهو رمز الأمة العربية وبطلها الذي دحر الاستعمار والصهيونية، وأن بعض الدروس كانت تدرس الطاعة المطلقة لرأس النظام بصفته قيمة وطنية عليا، مثل واجب كل تلميذ أن يكون وفياً لرأس النظام الذي بنى العراق العظيم. ونجد في مناهج الصفوف المتقدمة، وخصوصاً الإعدادية تقديم رأس النظام على أنه امتداد للخلفاء. ونجد أيضا في كتاب التربية الوطنية طبعة 1995 للصف الخامس الابتدائي كيف نحمي الوطن كما حماه صدام حسين؟ وتضمن فقرات مثل: (علينا أن نكون جنوداً أوفياء مثل صدام حسين).

إن المناهج الدراسية قد خضعت لرقابة دقيقة وصارمة من قبل الدولة، ولم يكن هنالك أي تساهل فيما يتعلق بالاستقلال الأكاديمي، أو النقد العلمي؛ مما أفرغ العلمية التعليمية من جوهرها المعرفي والتنويري، وحولها إلى أداة تعبئة وتوجيه سياسي، وأعتمد النظام سياسة الإقصاء بحق فئات معينة من المجتمع؛ إذ حُرِمَ العديد من الطلبة من فرص الحصول على إكمال دراساتهم العليا أو من التوظيف في القطاع التربوي؛ لأسباب تتعلق بالتوظيف السلبي لعنوان السلامة الفكرية، أو لأسباب سياسية، أو حتى طائفية.

ونتيجة للرقابة الصارمة والخوف تم إهمال البحث العلمي، وتغييب الفكر النقدي؛ مما أدى إلى تراجع جودة التعليم، وضعف الانتاج المعرفي داخل المؤسسة التعليمية.

وغلب على الحياة التعليمية طابع القلق والخوف والرقابة؛ إذ عمل النظام البائد على تجنيد الطلبة والمعلمين لرصد بعضهم بعضاً؛ مما ولد أجواء مشحونة بالشك وانعدام الثقة، وأثر ذلك سلباً على النمو النفسي للطلبة، إذ تم تشكيل منظمات مثل الطلائع وأشبال صدام لتدريب الأطفال على الفكر البعثي المتطرف؛ مما أسهم في تشويه براءة الطفولة، وغرس مفاهيم القوة وأجبر الأطفال على ارتداء الزي العسكري، واستخدام الأسلحة النارية في رفعة العلم، واستخدم العنف بمختلف صفوفه؛ مما أدى إلى خلق بيئة تعليمية قائمة على الخوف.

وقد عمل النظام السابق أيضاً على زرع الطاعة العمياء والامتثال في نفوس الطلبة؛ وذلك من خلال أتباع الأساليب التلقينية وترديد الشعارات؛ مما أثر سلباً على تطور التفكير الحر وطرائق النقد البناء، وأن ذلك ترك آثاراً بعيدة المدى على أجيال كاملة من المتعلمين، ومارس النظام العنف الرمزي والفعلي، وذلك من خلال فرض سردية وحيدة للتأريخ، وتجدر الإشارة إلى أن البيئة المدرسية مارست مظاهر العقاب البدني بشكل كبير وواضح، إذ نجد في أحد المناهج الدراسية درس بعنوان (طاعة القائد من طاعة الله)؛ إذ جاء فيه أن صدام حسين نعمة من نعم الله على العراق، وأن من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد خان الوطن والدين، وهذا بحد ذاته انتهاك صارخ للمفاهيم الدينية والتربوية من حيث مساواة طاعة الحاكم بطاعة الله.

وأسهم النظام في نشوء أزمة هوية واضطراب في الانتماء من خلال وجود الازدواجية بين خطاب الحكومة والواقع الفعلي المعاش.

لقد خلف النظام البعثي إرثاً ثقيلاً على المنظومة التربوية التعليمية في العراق تمثل في إلباس التعليم لباساً سياسياً من أجل خدمة السلطة، ولا تزال هذه الآثار حاضرة؛ مما يتطلب جهوداً كبيرة لإعادة بناء المنظومة التعليمية؛ لكي تكون قادرة على مواكبة مبادئ الحرية والعدالة والتعددية.