أ.د. حسين الزيادي
إنّ أول حق يثبت للطفل هو حقه في الحياة والنمو والبقاء، ومن ثمّ تتفرّع بقيّة الحقوق، ومنها الشخصية القانونية للطفل، التي تقتضي الحماية القانونية له في محيطه العائلي والاجتماعي، وعلى الرغم من تعدد المصطلحات فإنها جميعا تقع تحت مظلة مرحلة الطفولة، ومنها الصغير، والحدث، والصبي، والقاصر، والفتى، مع وجود اختلافات بين الدول في تحديد نهاية هذه المرحلة، وقد نص قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة 1969 المعدل في المادة (79) منه على أن:
لا يحكم بالإعدام على من يكون وقت ارتكاب الجريمة قد أتم الثامنة عشرة من العمر، ولم يتم العشرين سنة من عمره، ويحل السجن المؤبد محل عقوبة الإعدام في هذه الحالة، كما نص قانون الأحداث المعدل لعام 1983 على عدم جواز قيام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره.
وتأسيساً على ما تقدم يقصد بالطفل من وجهة نظر القانون: الإنسان الكامل الخلق والتكوين لما يمتلك من قدرات عقلية وروحية وعاطفية وبدنية وحسية، إلا إن هذه القدرات ينقصها النضج والتفاعل بالسلوك البشري لينشّطها ويدفعها للعمل، وفي ضوء هذه الظواهر ينمو الاتجاه السلوكي الإدراكي لدى الطفل داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وفي ضوء هذا التعريف القانوني، اختلفت الآراء الفقهية في معنى الطفل؛ لذا ذهبت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل إلى تعريف الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، مالم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه(1)، ومن خلال تعريف الطفل في اتفاقية حقوق الطفل لعام (1989) نلحظ أن الاتفاقية تركت تعريف سن البلوغ لتشريعات العالم المختلفة، أما منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة عرّفت الأطفال بأنهم شريحة اجتماعية تتميز بسمات بيولوجية ونفسية معينة تتراوح أعمارها بين 5-15 سنة.
وفي عهد نظام البعث شهدت الطفولة انتهاكات واسعة في جميع المجالات، وربما كان أشدها وأكثرها تأثيراً انتهاك حق الطفل في الحياة، وتنفيذ أحكام الإعدام بالأطفال ممن هم دون الثامنة عشر، والوثيقة الأولى المرفقة ربطاً بهذا المقال عبارة عن كتاب رسمي صادر من قيادة فرع الشمال العسكري موجهة إلى مديرية الأمن العامة في 21 حزيران 1984، يستفهم الكتاب عن مصير أحد أقارب المؤيد العريف: وحيد شنيشل سعودي، المنسوب إلى مدرسة قتال فق 2، ويتساءل هذا العريف عن مصير ابن خالته وشقيق زوجته المدعو عبد الأمير هادي سعيد الطالب في مدرسة الغزالية الابتدائية في مدينة صدام لدى الجهات الأمنية لانتمائه إلى حزب الدعوة علما بأنهما من سكنة بغداد مدينة صدام مقابل مستشفى الأطفال رقم الدار 7/8/25 نرجو الاطلاع وتزويدنا بالمعلومات المتيسرة عنهما (بحسب تعبير الكتاب).
الوثيقة الثانية المرفقة ربطاً هي عبارة عن إجابة من قبل مديرية الأمن العامة إلى المكتب العسكري قيادة فرع الشمال التي جاء فيها: لدى تدقيق سجلاتنا تبين أنه أحد عناصر حزب الدعوة، وأحيلت قضيته إلى محكمة الثورة فتم إعدامه.
الظاهر من الوثيقتين أن المتهم محل التساؤل هو في المرحلة الابتدائية، وهذه المرحلة بحسب النظام التعليمي في العراق يدخلها الطفل بعمر 6 سنوات، ويتخرج منها بعمر 12 سنة، وهذا يعني بحسب السياق الطبيعي أن عمر المتهم بين 6-12 سنة، وإذا افترضنا جزافاً أنه في السادس الابتدائي، وانه تلكأ في دراسته لمدة سنتين، فإنه بكل الأحوال لم يتم الرابعة عشر من عمره، والإنسان بهذا العمر بحسب القوانين والتشريعات والعهود الدولية لا يمكن توجيه تهمة له، فضلاً عن مسالة معاقبته بالإعدام، إذ لا يمكن أن يكون لهذا الطفل درجة من الوعي تقوده للانتماء إلى حزب معين، المسألة الأخرى التي ينبغي الالتفات لها أن الكتاب الثاني، أي إجابة مديرية الأمن العامة اكتفت بالقول: إنه أحيلت قضيته إلى محكمة الثورة، وحكم عليه بالإعدام، ولم يذكر الكتاب رقم المرسوم الجمهوري الخاص بإعدامه، وهو أمر يدلل: إما على عدم وجود أوامر إعدام بحق الأطفال، وأن إعدامهم جرى خلاف السياقات المتبعة، أو أن الطفل توفي خلال التعذيب، وهو الاحتمال الأرجح، وفي كلتا الحالتين يشكل ذلك انتهاكاً صارخاً لاتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق عام 1994 فقد نصت المادة السادسة منها على أن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة، وتكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه، والجدير ذكره أن الطفل يكتسب حقوقه على وفق المواثيق والعهود الدولية بوصفه إنساناً أولاً، فيشمله تبعاً لذلك كل ما يقع على الإنسان من حقوق، ومن جهة أخرى أنه يكتسب الحقوق بوصفه طفلاً وفقاً للمعاهدات والاتفاقيات التي تعنى بحقوق الطفل.
لقد طرح موضوع) حماية الطفل (لأول مرة على صعيد الأمم المتحدة في إعلان جنيف عام 1942، الذي عدّ الورقة الأولى للاعتراف بحقوق الطفل، وتلاه إعلان حقوق الطفل لعام 1959، وبعده العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية اللذان أقرتهما الأمم المتحدة عام 1966.
المصادر
- عباس الحسني، شرح قانون العقوبات العراقي الجديد، القسم العام، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1972
- اتفاقية حقوق الطفل، 1989
- عبد الفتاح مراد، موسوعة حقوق الأنسان، شبكة البهاء للبرامجيات والكومبيوتر والنشر الإلكتروني، الإسكندرية، بلا تاريخ.
- ماهر صالح علاوي وآخرون، حقوق الانسان والطفل والديمقراطية، ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 2009.
(1) اتفاقية حقوق الطفل، 1989.