banarlogo

ثقافة التسامح -الضد النوعي والموضوعي لظاهرة التطرف-

الاستاذ المساعد الدكتور فاضل جواد حميد الهلالي
جامعة الكوفة-كلية العلوم السياسية

 

   تعد ثقافة التسامح من بين أبرز المرتكزات الأساسية للانتقال بالمجتمعات من حالة التعصب والتطرف والكراهية والعنف، والعنف المضاد، إلى حالة من السلام والإخاء والحوار والتقارب والاحترام المتبادل، وبالتالي تحقيق متطلبات ومقتضيات العيش المشترك، وتعد ثقافة التسامح الإمكانية الوحيدة والرائدة التي تمكننا من ضبط اختلافاتنا وتبايناتنا بكل تشعباتها وعناوينها (الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية والسياسية والاجتماعية والثقافية الخ ). من هنا فإن مسألة نشر ثقافة التسامح تعد بمثابة الضد النوعي والموضوعي لظاهرة التطرف بكل تداعياتها وآثارها المختلفة المدمرة لكافة المجتمعات وباختلاف الزمان والمكان؛ إذ يلاحظ هنا أن ظاهرة التطرف أخذت مديات ومساحات واسعة وكبيرة في كافة المجتمعات، وعلى مستوى شعوب ودول العالم المختلفة، وبالشكل الذي نستطيع فيه القول إن ظاهرة التطرف أصبحت اليوم لا تنحصر بدين أو مذهب معين، ولا بعرق أو جنس معين، ولا باتجاه أو فكر معين، إنها ظاهرة خطيرة غزت كافة المجتمعات والأديان والقوميات والشعوب والأعراق والأجناس والتوجهات، وبذلك يمكننا أن نصف العصر الراهن بأنه عصر التطرف بامتياز.

  ولا شك أن لهذه الظاهرة الخطيرة أسباباً وعوامل مختلفة، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى ظهور وبروز أشكال وأنواع مختلفة من التطرف، فهناك التطرف الديني والتطرف المذهبي (الطائفي )، والتطرف الاجتماعي، والتطرف السياسي، والتطرف الفكري، وإن المعالجة الحقيقية والموضوعية لهذه الظاهرة الخطيرة تتمثل في تحقيق متطلبات نشر ثقافة التسامح ومقتضياتها وآلياتها، وذلك من خلال تحويل هذه الثقافة من ثقافة نخبوية خاصة إلى ثقافة مجتمعية عامة، ولاسيما في بلدنا العزيز العراق الذي مر بتحولات ومتغيرات ومنعطفات وتحديات خطيرة، وذلك بعد عام 2003 ولغاية اليوم، التي أشرت بمجملها إلى بروز ظاهرة التطرف على مستوى ( الطائفية السياسية، التوجهات الانفصالية، انتشار العنف المجتمعي بين الأوساط والفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة )، وهو الأمر الذي يتطلب مواجهته والتصدي له ومعالجته، وذلك من خلال اعتماد آليات ومعالجات موضوعية وواقعية تتمثل (بتحقيق وترسيخ مبدأ المواطنة والحقوق والواجبات المترتبة عليه، وسيادة أحكام القانون، وتطوير مناهج التربية والتعليم، وترصين عمل وسائل الإعلام، وإعادة صياغة النسق القيمي والأخلاقي، وتحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية، فضلا عن نشر ثقافة التسامح بوصفها الضد النوعي والموضوعي لظاهرة التطرف ) .