banarlogo

انتهاكات نظام البعث لنصوص الدستور العراقي المؤقت 1970 – التمييز في مجال التعليم أنموذجاً – الجزء الرابع –

أ.د. حسين الزيادي

 

 

جاء في الباب الثالث من دستور العراق 1970 الموقت، والخاص في الحقوق والواجبات الأساسية، وتحديداً في المادة التاسعة عشرة أن المواطنين سواسية أمام القانون، من دون تفريق بسبب الجنس، أو العرق، أو اللغة، أو المنشأ الاجتماعي، أو الدين، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين مضمون في حدود القانون.

على الرغم من وضوح المادة الدستورية إلا أن نظام البعث لم يلتزم بهذا البند الدستوري في مجالات عدة، وفي هذه المقالة التي تعد جزءاً من سلسلة طويلة من المقالات التي تبين انتهاكات نظام البعث لنصوص الدستور العراقي المؤقت 1970م نأتي على جانب مهم، وهو سياسة التمييز في مجال التعليم، فقد كانت هذه السياسة السمة المميزة لنظام البعث منذ اليوم الأول لاستلامه السلطة في العراق، وقد أشارت إلى ذلك تقارير المنظمات العالمية والعربية المعنية بحقوق الإنسان، ومنها تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام ١٩٨٨ بخصوص مظاهر التمييز العِرقي والديني والقومي في العراق؛ إذ تم تقسيم المجتمع بحسب درجة الولاء للسلطة، وقد اتبع نظام البعث سياسة ممنهجة لربط الامتيازات التعليمية بالولاء السياسي، وقد سعت كثير من الأسر للحصول على الامتيازات  لضمان مستقبل أبنائها  التعليمي في ظل نظام الولاء السياسي، وفي هذا المجال تم ابتداع بطاقة أصدقاء السيد الرئيس أثناء الحرب مع إيران، واستفاد حاملوها من الامتيازات التي توفرها لهم، ولمدة خمسة أعوام أخرى بعد انتهاء الحرب، وظلت البطاقة محتفظة بفعاليتها حتى عام 1991، بعد حرب الكويت، وحتى سقوط النظام عام 2003، ولما ازدادت أعداد حاملي هذه البطاقة تم ابتداع تصنيف جديد يسمى اتحاد الصداميين، وكانت بطاقات هؤلاء موقعة من قبل عدي صدام حسين بصفته المشرف على الاتحاد، وكان معظم المواطنين يسعون للحصول على هذه البطاقة ذات الامتيازات لحماية عوائلهم ومستقبل أولادهم، وما يهمنا في هذا المجال ذكر ما تخوله البطاقة لحامليها في مجال التعليم، وهي الامتيازات التي تتمثل بالآتي:

  • إضافة خمس درجات للمعدل الكلي لحامل البطاقة، أو لزوجه وأبنائه عند الالتحاق بالمدارس والأكاديميات والجامعات أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولمدة خمسة سنوات بعد انتهائها.
  • قبول أبناء حاملي البطاقة في الكليات العسكرية والأكاديميات أثناء الحرب، ولمدة خمسة سنوات بعد انتهائها بغض النظر عن المعدل والعمر، وهناك العديد من الامتيازات الأخرى.

وهكذا يتضح أن سياسة التمييز في التعليم والقبول كانت على أوجها في ظل نظام البعث، وأن القبول في الكليات التربوية والعسكرية وكليات الشرطة والمعاهد الأمنية بات مغلقاً على أبناء البعثيين من المقربين وحاملي بطاقة أصدقاء الرئيس، في حين أُبعد المستقلون وغير المنتمين للحزب، وما عاد لهم وجود في تلك الأماكن، وهو أمر فضلاً عن تعارضه مع مبادئ الدستور فإنه يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يخص نبذ التمييز العنصري؛ بسبب الاعتقاد الديني، إذ جاء في المادة الثانية من هذا الإعلان أن لكل إنسان حق التمتع بالحقوق والحريات كافة من دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر.

أما التقديم للدراسات العليا فقد كان مفتوحاً للعاملين في الديوان الرئاسي وجهاز الأمن الخاص وأمانة سر الحزب والحرس الجمهوري، وكانت الحكومة تتكفل بتكلفة الدراسة، وكان التقديم للماجستير والدكتوراه والدبلوم العالي مشروطاً بشروط عدة،  أبرزها الحصول على السلامة الفكرية، فضلاً عن السلامة الامنية ولا يمكن أن يقبل أي شخص تحيط حوله الشبهات، أو كان من ضمن أقاربه حتى الدرجة الرابعة معدوم أو هارب خارج العراق، أما السلامة الأمنية التي تقوم بها الجهات الأمنية؛ فكانت وسيلة لتلك الأجهزة لابتزاز المواطنين واستحصال الأموال مقابل الموافقة على منحهم الإجازة الأمنية، والشرط الثالث هو الحصول على التبعية العراقية من دائرة النفوس العامة في بغداد؛ إذ يتم فرز دقيق للمتقدم، ومطالبته بالوثائق الثبوتية.

    لقد ظهرت إبان مرحلة الحصار الاقتصادي أنماط سلوكية متعددة اتبعتها المدرسة مع طلبتها تؤشر على التمييز في معاملة الطلبة على أساس الجوانب الاقتصادية، أو المركز الاجتماعي، أو المنصب الحكومي لولي الأمر؛ مما أدى إلى شعور الطلبة بعدم المساواة في التعامل معهم، وولد كرهاً عميقا للمدرسة، وفقدان الإحساس بالعدالة؛ مما ينتج عنه التسرب أو التغيب أو الميل للعنف، ومن الأمثلة التي نوردها بوصفها مصاديق للتمييز في مجال التعليم هي:

  1. هناك جامعات تمتلك امتيازات خاصة، والقبول فيها مغلق على البعثيين وأبنائهم حصراً، وهذا مصداق مهم لسياسة التمييز، وربط التعليم بالولاء السياسي، ومنها جامعة صدام التي كان الغرض الرئيس منها هو إعداد كوادر لشغل المفاصل الحساسة في دولة البعث؛ لذلك حظيت هذه الجامعة برعاية حكومية خاصة من الناحية المادية والمعنوية، حتى أنها كانت تابعة لديوان الرئاسة بدل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وكانت تُموّل حكومياً، ويعطى خريجي الجامعة حق دراسة الماجستير في حالة كون المعدل النهائي يفوق الـ 65%، وأن الدراسة في بعض كلياتها تكون لمدة خمس سنوات، كما هو الحال في كلية القانون التي يُمنح بعدها الخريج درجة الماجستير وليس البكالوريوس.
  2. كانت البعثات والمنح الخارجية تأخذ اتجاهاً ومساراً معيناً، فهي تقوم على أسس طائفية بحتة، ولم يكن لبعض الطوائف نصيباً منها، وأن الدراسة في المجالات العسكرية والأمنية والدبلوماسية هي الأخرى لم تكن متاحة لبعض الطوائف والقوميات.
  3. لم يكن الطالب والأستاذ يمتلك حرية البحث العلمي، فهناك مواضيع لا يحق لأحد دراستها أو الخوض فيها والاقتراب منها، وهذا يمثل قمة القمع الفكري، فلم يكن لأحد أن ينتقد السياسات الحكومية، أو يناقش قضايا حقوق الإنسان، أو الثوابت التاريخية والعقائدية لطائفة ما؛ لذلك انتشرت جملة من البحوث والرسائل الجامعية التي تبحث في عبقرية القائد، وتمجد بالحزب وشعاراته، بل حتى شعارات القائد الأوحد كانت مجالاً للبحث والتقصي، فهذه إحدى الباحثات تكتب رسالة ماجستير بعنوان: (الفكر القيادي للأستاذ عدي صدام حسين)، وآخر يكتب أطروحة بعنوان: (الإيحاءات الدلالية في أحاديث السيد الرئيس – متى تهتز الشوارب أنموذجاً) أو (القيم السائدة فيأحاديثالرئيس القائد) وغيرها كثير، وكانت تلك الرسائل والأحاديث تحصل على منح ومكافآت مادية.
  4. كان الأوائل في جامعة بغداد يشملون بالتعيين بوصفهم معيدين في كلياتهم، لكن هذا الأمر مشروط بوجود عائلته في بغداد ضمن تعداد 1957، فقد حدثني أحد الأساتذة الذين كان الأول على كلية الصيدلة، وهو الآن عميداً لإحدى الكليات إن التعيين شمل التسلسل (11)، ولم يشمل من سبقوه؛ لأنهم لا يحظون بهذه الميزة.
  5. مارس حزب البعث ضغوطه وتهديداته ضد كل من لا يريد الانتماء إليه من المعلمين وأساتذة الجامعات؛ فعمل على إحالة العشرات من أساتذة الجامعات، وموظفيها الجامعيين على التقاعد؛ لأنهم رفضوا ذلك، وقام باعتقال الآلاف من التدريسيين وطلبة الجامعات وإعدامهم، في الوقت الذي أعطى فيه الامتيازات الخاصة للمنتمين إليه، فضلاً عن عسكرة التعليم من خلال إنشاء منظمات طلابية مثل: (الطلائع والفتوة وأشبال صدام)؛ إذ يتم تدريب الطلبة على حمل السلاح، والطاعة المطلقة للنظام.
  6. استخدم التعليم وسيلة للعقاب السياسي من خلال حرمان عوائل المعارضين السياسيين من التعليم الأولي والجامعي، أو فرض قيود على دراستهم، وكل من يتم قبوله في الجامعات تتم مخاطبة فرقته الحزبية لبيان انتمائه وموقف عائلته من الحزب.
  7. فضلاً عن القمع الفكري كان هناك القمع الأمني داخل الجامعات والمدارس؛ فكانت توجد أقسام أمنية وحزبية داخل المؤسسات التعليمية لها صلاحية اعتقال أي طالب في أي وقت.
  8. غرس الفكر القومي المتطرف والعدائية تجاه الآخرين من خلال تدريس مواد دراسية يقوم بتدريسها أشخاص يرتبطون بالنظام، ومنها مادة الثقافة القومية التي تدرس في الكليات جميعاً.
  9. جميع المناهج الدراسية كانت مؤدلجة، حتى المقررات الدراسية كانت تحتوي في صفحاتها الأولى على أحاديث هرم السلطة، وصورته وشعار الحزب وأهدافه.

 

 

 

 

 

 

 

المصادر

  1. تقریر المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام ١٩٨٨ بخصوص مظاهر التمییز العرقي والدیني والقومي في العراق
  2. جاسم محمد حمزة، جرائم العنف عند الأطفال في العراق دراسة ميدانية في دوائر إصلاح الأحداث في مدينة بغداد، مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية، العدد الأول، المجلد العاشر، حزيران 1919.
  3. يوسف ساسون، بعث صدام رؤية من داخل نظام استبدادي، ترجمة رفعت السيد علي، منشورات الجمل، بيروت،2015.