banarlogo

إكراه الضحايا على تعذيب بعضهم – أساليب إجرامية في ممارسات حزب البعث العراقي

د. رائد عبيس

بياحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 كثيرة هي الجرائم التي ارتكبها حزب البعث في العراق، ولا تكاد أن تحصى مع عدد جرائم عناصره الإجرامية، وسلوكياتهم وأساليبهم الجرمية المنفردة والجماعية، الممنهجية منها وغير المنهجة، ولاسيما تلك التي تكثر في السجون، والمعتقلات، ومعسكرات الاحتجاز.

ومن هذه الأساليب الإكراه المادي والمعنوي الذي يمارس كسلوك إجرامي مضاعف لسلوكهم الجرمي بحق السجناء والموقوفين، والمحبوسين، والمحتجزين، والمودعين. ولم يترددوا في ممارسة الإكراه بركنيه مع ضحايا سياساتهم القمعية كطريقة من الاستخفاف بكرامتهم، واستعمالهم ضد بعضهم بعضاً كنوع من التنكيل، ولاسيما مع من كانت لهم مشتركات ومسببات للاعتقال، وتجمعهم قضية واحدة، مثل عناصر التنظيمات الدينية والإسلامية، وحقيقة هذا الاستعمال يأتي بصور إكراه مختلفة وممارسات شتى، يجمعها ركني هذه الجرمية في أساليبهم التعذيبية المرتكبة تحت أوامر الغير، وإكراهه وتسليط القوة المادية والمعنوية عليه. فواقع هذه الجريمة أنها تحدث بفعل الغير، ولكنها بسلوك جرمي آمر تلجأإليه عناصر الحزب الأمنية الإجرامية في هذه السجون تحت دوافع كثيرة منها:

  • إلحاق الإهانة المعنوية بالمعتقلين ذي التوجه الواحد، مثلا تعمد إيقاعها مع الجماعة الملتزمين دينياً.
  • التنكيل بهم، وفيما بينهم لإضعاف أواصر العلاقة وتهديد موقفهم.
  • يلجؤون إليها حينما يتعبون من التعذيب وممارساته، فيوكلونه إلى أحد ضحاياهم ضد زملائه.
  • الإشراك المعنوي في الجريمة؛ ليجعلوا المعتقل يشعر بالذنب، وتأنيب الضمير، وإن كان مكرها.
  • الإشراك المادي في جرائم التعذيب بهذه الطريقة في تسليط فعل معتقل على آخر، بقصد تحويله إلى مجرم معتاد، حتى ينصاع إلى أوامرهم التنفيذية وقت ما يشاؤون. وقد نجحوا في كسب كثير من المسجونين المحكومين إلى صفوفهم الإجرامية مقابل خدمات ومدارات يحصل عليها هذا السجين على حساب زملائه في السجون، أمثال: أبو وداد الذي كان ينفذ بزملائه أحكام الإعدام، حتى جاء دوره وأعدم فيما بعد لكثرة إفراطه بالإعدام، وإعدام من لم يحكم به حكم الإعدام، أي تحول من مجرم مكره إلى مجرم مختار، ومن ثم إلى مجرم معاقب.

فالإكراه المادي، هو تهديد الأشخاص بإنزال ا لعقوبات المادية بهم، من قتل، وتعذيب، وتجريد أموال وغيرها إذا لم يَفعل ما يُطلب منه.

والإكراه المعنوي، هو التهديد اللفظي والإخافة وإثارة القلق، والاحتمالية المؤكدة من وقوع خطر جسيم على الشخص، وعلى ذويه، وعلى من يعنيه أمره، أو في ماله.

مما يحمل المرء مكرها على تنفيذ ما يطلب منه تحت تأثير هذه المخاطر، والمؤكدة الوقوع بحقه وحق غيره.

وإن كان هذا الأسلوب الجرمي التعذيبي، هو جريمة غير مستوفية لأجزاء من خصائص الجريمة الاعتيادية، مثل الشروع، ووجود الإرادة الآثمة، وسابقة الإصرار، وقصدية النتيجة. فضلاً عن عدم وجود ركن شرعي لها.

ونحن نتحدث عن جرائم الإكراه، تحت ظروف متحقق بها الإكراه الفعلي، وهو الظرف داخل السجون، وفي معسكرات الاحتجاز، قد ينعدم معها الحديث عن مسوغات الدفاع عن النفس؛ لأن شرط الإلزام متحقق بالفعل، ومقومات الإكراه نافذة عليه، فيما لو تأكد الإصرار الفعلي على تنفيذ فعل ما.

وأمثلة هذه الجرائم التي تمارس بالإكراه المادي والمعنوي، كثيرة جداً قد حدثت داخل السجون والمعتقلات ومعسكرات الاحتجاز، منها:

  • إجبار المعتقلين على ضرب أحدهم الآخر، باليد أو بآلة جارحة. أو إجبار أحدهم على ذلك.
  • التصويب على أحد المعتقلين أو المحكومين بالسلاح وقتله.
  • جريمة الإكراه على الزنا بالنساء المعتقلات.
  • جريمة الإكراه على اللواط بين المعتقلين والمسجونين، وقد كرر الأمريكان هذه الجريمة في سجن (أبو غريب).
  • جريمة الإكراه على التعذيب البدني المتنوع بحق الضحايا.
  • جريمة الإكراه على التعذيب النفسي والمعنوي بين المعتقلين، مثل: التبول على أحد الشخصيات المعتقلة ذات الاعتبار الاجتماعي، أو الديني، أو السياسي، أو العلمي، أو البصق في الوجه، أو السب.
  • جريمة الإكراه على التجسس، والوشاية برفقاء الزنزانات؛ لتجنب التعذيب وتهديداته.

كان السجناء المكرهون على ارتكاب هذه الجريمة بحق بعضهم بعضا يعتذر أحدهم من الآخر بعد زوال حالات الإكراه، وانصراف المكرهين من عناصر الأمن أو الحزب الذين يشرفون على فعل هذه الجرائم. فأحيانا يتقبلون ذلك، وأحيانا تحدث مشاكل ومشادات بين السجناء، وخلافات تصل إلى حد التهديد والاعتداء.

ولكن حقيقة هذا الفعل الذي يجب أن تفهم بما لا يستدعي هذه الخلافات، هي أن عنصر الإكراه متحقق فعلا، والفعل سالب تماماً لحرية إرادة الفاعل، إلى جانب عنصر المعاصرة المراقب لعملية التنفيذ، بحيث لا يمكن فصل زمنية التنفيذ مع زمنية الأمر به.

 ولكن ما يُفترض أن يطرح من تساؤل، هل بالإمكان تحمل العواقب مقابل الامتناع عن فعل هذه الجريمة؟

نقول: هناك من تحملها فعلاً، وناله من عواقب الموت التعذيب، وسلب الأموال، وانتهاك الإعراض، على ألّا يقدم على هذه الجريمة، وهي جريمة مضاعفة النتائج فيها ربما قتل نفس، أو تعذيب شخص؛ فتناله عاهة، أو موت بطيء، أو انتهاك عرض- كثير من الثابتين حقاً من واجه هذه الإرادات الآثمة – وفيها أيضاً طاعة للظالم، ونيل من المظلوم، تحت أوامر إجرامية، وبإرادات شريرة.

على الرغم من أن الموقف القانوني يعد مثل هذه الجرائم من موانع المسؤولية الجنائية، كما جاء في نص المادة (62) من قانون العقوبات العراقي (لا يسأل جزائياً من أكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية، أو معنوية لم يستطع دفعها). فلا يحقّ لأحد أن يقاضي أحدا فيما لو خرج من السجن، أو تحرر من المعتقل، ممن طالتهم مثل هذه الجرائم. بل على خلاف ذلك يُساءل من كان آمرا بها، ودافعا إليها، ومكرها بها.

وأن هذا النوع من الجرائم في سلوك السلطة البعثية لم يقتصر على البيئة السجنية، بل تعداه إلى ما هو خارج السجن، مثل: تهديد المعتقلين والسجناء على اعتقال عوائلهم، ونسائهم، أو حرق بيوتهم، أو تهديمها، أو مصادرة أموالهم، إذا لم يقدموا اعترافات ضد آخرين، أو تنفيذ جرائم بحق زملائهم في التنظيمات السياسية على سبيل المثال – كما حدث هذا الموقف مع السيد محمد حسين الحكيم – أو من يعدونهم أعداءً للحزب كنوع من التعاون ضدهم. وقد حدثت فعلاً مثل هذه التهديدات، ونال كثيراً منهم الضرر؛ بسبب عدم الانصياع لهذه الأوامر الإجرامية، ومنهم من تعاون جراء ضغوطات التهديد المادي والمعنوي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

#التعذيب #حزب البعث #صدام حسين #جرائم حزب البعث #ضحايا العراق #أساليب التعذيب