أحمد مزاحم هادي
قسم مكافحة التطرف العنيف
إن اليوم العالمي لمكافحة التطرف ليس مجرد مناسبة سنوية للتذكير بمخاطر هذه الظاهرة، بل هو دعوة لتحفيز الجهود العالمية نحو تطوير استراتيجيات فعالة وطويلة الأمد؛ لمواجهة تحديات الفكر المتطرف، إذ ينبغي أن تكون هذه الاستراتيجيات شاملة ضمن رؤية واضحة الأهداف ممكنة التطبيق، تشمل كل من الجوانب الأمنية، والاجتماعية، والتعليمية والثقافية، من خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكن للعالم أن يخطو خطوات واثقة نحو مستقبل يسوده السلام، والاحترام المتبادل، والتعايش السلمي.
منذ أن اعتمدت الأمم المتحدة 12 فبراير يوماً عالمياً لمكافحة التطرف في عام 2015، بدأ العالم في إدراك أهمية توحيد الجهود لمواجهة هذه الظاهرة التي لم تعد تقتصر على منطقة جغرافية معينة، بل بات التطرف في صوره المختلفة يشكل تهديداً عالمياً يتطلب استجابة متكاملة، لا يقتصر على النواحي الأمنية فقط، بل يمتد إلى مجالات عدة، منها التعليم، والتوعية، وتعزيز قيم التسامح، وتوفير الفرص الاقتصادية، وتعمل العديد من الدول بالتنسيق مع المنظمات الدولية على تنفيذ برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي، ويتم التركيز على محاربة الخطاب المتطرف بتعزيز آليات مراقبة المحتوى الرقمي على الإنترنت، وقد أثبتت الدراسات أن التعرض المستمر للمحتوى المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي يُعد من أبرز الأسباب التي تسهم في تجنيد الأفراد نحو الفكر المتشدد؛ لذا فإن الحكومات، والمنظمات العالمية؛ ومن ضمنها العراق، وتحديداً ما شرعت به مستشارية الأمن القومي، وبالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الحكومية جميعاً، ومنظمات المجتمع المدني، قامت بإعداد استراتيجية فعالة لمكافحة التطرف، وتعد من أولويات الحكومات المختلفة، وهي تسير بخطوات ثابتة، وسعي جاد إلى تطوير استراتيجيات تشريعية وتنظيمية تضمن الرقابة على هذا النوع من المحتوى، مع السعي في الوقت نفسه إلى تعزيز قدرات الأفراد على تفكير نحو مستقبل أفضل، وخلق بيئة وطنية مؤاتية لاستمرار تقدم المجتمع، إذ صنفت الاستراتيجية في عشرة محاور، الاجتماعي، والاقتصادي، والأمني، والسياسي، والقانوني، والإقليمي، والفكر التكفيري المتطرف، والعولمة، وتداعيات سيطرة داعش على مدن عراقية، وتداعيات الحرب على داعش.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته بعض الدول في مواجهة التطرف، إلا أن التحديات ما زالت كبيرة، ومن أبرز هذه التحديات، تفشي ظاهرة التطرف في بيئات النزاعات والصراعات المسلحة، والتغييرات السريعة في الأنظمة الحاكمة، وخصوصاً بالأنظمة الديكتاتورية، والتحول إلى الديمقراطية، والحرية، والانفتاح؛ إذ يزداد استقطاب الأفراد إلى الجماعات المتطرفة؛ بسبب الفراغ الأمني، وغياب فرص العمل والتعليم، كذلك حرية استخدام الإنترنت، وتعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسة لنشر الفكر المتطرف؛ مما يعقد مهمة الحكومات في مراقبة هذه الأنشطة، وحصر انتشارها، بالإضافة إلى ذلك فإن التعاطي مع قضية التطرف في بعض الدول لا يزال يواجه مقاومة سياسية، أو اجتماعية، إذ يعد الحديث عن هذه القضية مسألة حساسة، أو مثيرة للجدل.
لا يقتصر دور مكافحة التطرف على الحكومات والمنظمات المحلية والدولية فقط، بل يقع على عاتق الأفراد أيضاً مسؤولية كبيرة في التصدي لهذه الظاهرة، يمكن لكل فرد أن يسهم في بناء مجتمع أكثر تسامحاً وتفاهماً من خلال تبني قيم السلام، والقبول بالآخر.
وأن الأفراد الذين يعملون على تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، والذين يسهمون في نشر الوعي حول مخاطر التطرف عبر منصات التواصل الاجتماعي، يمكنهم أن يحدثوا فارقاً كبيراً في محاربة هذه الظاهرة.