banarlogo

الإرهاب والتطرف: التحديات التي تواجه الأمن العالمي

د. خديجة حسن علي القصير

جامعة الكوفة/ كلية الآداب

 

 

يُعرف الإرهاب بأنه استخدام العنف، أو التهديد به؛ لتحقيق أهداف سياسية، أو اجتماعية، وغالبًا ما يستهدف المدنيين؛ لإحداث الخوف والذعر بين الأوساط العامة، ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب يُعد الإرهاب “أي فعل يهدف إلى إحداث إصابة جسدية، أو نفسية للناس بهدف تحقيق أهداف معينة” (1).

ويعرف أيضاً على أنه تبني أفكار، أو معتقدات بشكل متطرف؛ مما قد يؤدي إلى تبرير العنف، إذ يُظهر تقرير “مجلس الأمن” أن التطرف العنيف ينمو نتيجة الفقر، والتمييز، والجهل، مما يشكل بيئة خصبة للإرهابيين(2) .

يشكل الإرهاب والتطرف تحدياً كبيراً للأمن العالمي، إذ تزايدت وتيرة الهجمات الإرهابية في العقود الأخيرة، وأصبح تأثيرها يتجاوز الحدود الجغرافية؛ ليهدد الأمن والاستقرار الدولي. وفقاً لتقرير “مؤشر الإرهاب العالمي”(3) لعام 2024 أن هناك انخفاضا ملحوظا في نسبة حوادث الإرهاب، فبعد أن كانت ما يزيد على 5,000 حادث إرهابي خلال العام 2023م؛ مما أدى إلى مقتل الآلاف، وتشريد أعداد كبيرة من السكان(4)، انخفضت النشاطات الإرهابية بمعدل خمس من تسع مناطق يشملها المؤشر خلال 2023، وكان التحسن الأكبر في أمريكا الجنوبية، إذ لم تُسجل فنزويلا والإكوادور هجمات ووفيات للمرة الثانية منذ عام 2013، وتبعتها أمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، مُسجلةً انخفاضًا بنسبة 13% و38% على الترتيب، فيما لم تُسجل نتائج المُؤشر أي تغييرات في منطقتي أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي. بينما سجلت روسيا تدهورًا هامشيًا خلال العام 2023م. ورصد تقرير مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2024، حدوث أكبر الانخفاضات في معدلات الإرهاب منذ العام 2007 في كل من العراق وأفغانستان ونيجيريا. وسجل المؤشر انخفاضا في إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العراق بنسبة 99% منذ العام 2007 (5)

إن المتتبع للأحداث العالمية اليوم يجد أن حصيلة الإرهاب لا تقتصر على الخسائر البشرية، بل تمتد لتشمل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية. إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الإرهاب تجاوزت (50) مليار دولار سنوياً، خاصة في الدول النامية، وهذا بدوره يعوق التنمية ويزيد من معدلات الفقر(6).

تختلف مسببات الإرهاب من بلد إلى آخر، ولكن وبالاعتماد على رأي الخبراء في هذا المجال الذين يسوقون تفشي الإرهاب في أي مجتمع إلى انتشار الأفكار المتطرفة، والفقر، والبطالة المجتمعية، وقلة الوعي، بالإضافة إلى الأثر السلبي الذي تؤديه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز خطابات الكراهية، إذ بين تقرير لمنظمة الأمم المتحدة (7) للعام 2022 إلى أن 70% من الهجمات الإرهابية الحديثة استخدمت الإنترنت كأداة لتجنيد المتطرفين.

ونحن في بلدنا العراق نلحظ أن عمليات الإرهاب تؤثر على الواقع السياسي، وهذا بدوره يؤثر على استقرار الحكومة العراقية؛ مما يؤدي إلى ضعف الثقة في المؤسسات الحكومية، ويعوق جهود بناء الدولة. فضلاً عن تأثيراته على الأمن المجتمعي، إذ إن ارتفاع معدلات الإرهاب يؤدي إلى شعور المواطنين بعدم الأمان، مما يظهر سلبًا على الحياة اليومية والاقتصاد. وهذا بدوره يخلف ظاهرة سلبية جدا على الواقع الجغرافي في العراق ألا وهي النزوح الذي يؤدي إلى هجرة العراقيين من مناطقهم بحثًا عن الأمان؛ مما يزيد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية.

ولكي تتم مواجهة الإرهاب يتطلب الأمر استراتيجيات شاملة، تشمل تعزيز التعاون الدولي، وتبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الجهود بين الدول. على سبيل المثال، أسهمت مبادرة التحالف الدولي لمحاربة داعش في تقليص أنشطة التنظيم الإرهابي بنسبة 60% بين عامي 2015 و2021 (8)، فضلاً عن تطوير برامج تعليمية تهدف إلى نشر القيم الإنسانية. ويجب التركيز على معالجة الأسباب الجذرية، مثل الفقر والتمييز، لضمان عدم انزلاق الأفراد نحو التطرف.

في الختام مقالتي هذه أود أن أورد أن الإرهاب والتطرف يمثلان تهديدًا ملحًا للأمن العالمي عامة، والواقع الإقليمي خاصة، ويجب على المجتمع الدولي أن يتبنى نهجًا متكاملًا لمكافحته، يجمع بين الأمن والتنمية. إن التصدي لهذه التحديات يتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا فعالًا، ويتطلب استراتيجية شاملة تشمل التعليم، والتنمية الاقتصادية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية، إضافة إلى التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وتعزيز التعاون الدولي وإيجاد حلول مستدامة هم السبيل الأمثل لمواجهة هذا التهديد.

 

 

 

 

 

 

الهوامش:

  1. UNODC، 2021، ص3
  2. مجلس الأمن، 2020، ص5.
  3. عن معهد الاقتصاد والسلام باللغة الانجليزية يمثل ملخصا شاملا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة لظاهرة الإرهاب، وتحليل الأبعاد المرتبطة اجتماعيا، واقتصاديا، والدوافع الجيوسياسية، والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية والاستراتيجيات التي يستخدمها الإرهابيون.
  4. مؤشر الإرهاب العالمي، 2023، ص. 25
  5. التقرير بالنسب المئوية موجود بصيغة pdf عبر موقع منظمة الاقتصاد والسلام https://www.economicsandpeace.org/reports/ تقرير التنمية الدولية،2022، ص142؛
  6. وللاستزادة أكثر يراجع مقال منشور في المركز الاستراتيجي الليبي، فرع بنغازي بعنوان: قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2024،https://lcss.gov.ly/articles/blog/post-412>
  7. ص88.
  8. تقرير الأمم المتحدة 2021، ص35.