أ.د. حسين الزيادي
الوثيقة المرفقة طياً والصادرة من مديرية أمن الكاظمية التي يبدو أنها كانت بناءً على كتاب سابق من مديرية أمن بغداد يحمل العدد 5166 في 23/ 9/ 1992 تطلب منهم خطف أحد المدنيين في مدينة الكاظمية، والذي يتضح من الكتاب أن الخطف عملية ممنهجة يتم اتباعها في الأجهزة القمعية للنظام البعثي، ويتم ذلك من خلال نصب كمائن دقيقة للأهداف المطلوبة، لتتم عملية الخطف بطريقة هادئة بحسب التعبير الذي ورد في متن الكتاب المرفق، وهذا يعني أن هناك حالات أخرى من الخطف كانت تتم في أوضاع من العنف والشراسة، ويؤكد الكتاب المرفق أنه تم إشعار مدير أمن بغداد هاتفياً بعملية الخطف، الأمر الذي يؤكد أن عملية الخطف تجرى بانتظام واستمرار؛ بناءً على توصيات من أعلى المستويات، وأمام مرأى ومسمع ومباركة السلطة، وقد انتشرت ظاهرة الخطف في ظل حكومة البعث لأسباب تتعلق بأمن النظام، وإلى ذلك أشارت تقديرات لجنة الأمم المتحدة المعنية التي بينت إلى أن ما يصل إلى 290,000 شخص قد غُيبوا قسراً في العراق، بما في ذلك حوالي 100,000 كردي.
الاختطاف هو شكل من أشكال الاختفاء القسري، وربما يرادف البعض بين المصطلحين، فكلاهما يعد شكلاً من أشكال الحرمان من الحرية، يتم على أيدي موظفي الدولة، ورفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته، أو إخفاء مصير الشخص المختطف، أو مكان وجوده، ويعرف الاختطاف على أنه: انتزاع الشخص من بيئته، ونقله إلى مكان آخر، واحتجازه فيه، وإخفاؤه عن ذويه، ولهذه الجريمة عنصرين هما: انتزاع الشخص (المجنى عليه)، وإبعاده من بيئته، ولا أهمية للوسيلة التي يتم بها انتزاع المجني عليه، إذ يمكن أن يتم الخطف بإحدى وسائل المواصلات، أو بدونها، أو بالترصد، وانتظار المجني عليه، أو بسبق الإصرار، أو بدونه، وليست هناك أهمية للمكان الذي انتزع منه المختطف، فجريمة الخطف تتحقق بمجرد انتزاع المجني عليه سواء تم انتزاع المجني عليه من بيته، أو من الشارع، أو أي مكان آخر، والعنصر الآخر للجريمة هو الدافع المعنوي، أو القصدي الذي يقوم به الجاني، وجريمة الاختطاف تتداخل مع جرائم أخرى هي: الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، وإساءة استعمال السلطة، وتعد جريمة ضد الإنسانية إذا ما تأكد أن الفعل يمارس منهجياً وموجهاً ضد طائفة معينة.
ووفقاً لقانون العقوبات العراقي، يُعد احتجاز الأفراد، أو اختطافهم من قبل الموظف العمومي من دون أمر قضائي، أو غطاء قانوني جريمة يعاقب عليها القانون، وفقا للمادة (322) من قانون العقوبات العراقي الذي حظر الاحتجاز التعسفي، واعتبار أي فعل من هذا النوع انتهاكاً صارخاً للحقوق الدستورية للأفراد.
ولجريمة الخطف خصائص عدة منها: إنها اعتداء على حرية الإنسان، فجريمة الخطف هي من الجرائم الماسة بحرية الإنسان وحرمته، وإن جريمة الخطف تعد من الجرائم المستمرة بحسب القانون الجنائي، فالجريمة تعدّ متحققة في كل لحظة تمر على المجني عليه في أثناء خطفه.
ويعدّ هذا الفعل انتهاكاً صارخاً لكل المواثيق والأعراف الدولية ، فقد نصت المادة السابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب، ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أما المادة الثامنة من العهد المذكور فقد نصت على أنه لا يجوز استرقاق أحد، ولا يجوز إخضاع أحد للعبودية، وأن العهد الدولي يحظر الاحتجاز التعسفي بشكل صارم، وتحديداً في المادة (٩) منه التي نصت صراحة على عدم جواز توقيف أحد، أو اعتقاله تعسفا، فضلاً عما تقدم فإن جريمة الاختطاف تتعارض مع بنود دستور 1970 الذي ينبغي أن يحدد تصرفات سلطة البعث، فقد نص الدستور في المادة الثانية والعشرين على أنه: لا يجوز القبض على أحد، أو توقيفه، أو حبسه، أو تفتيشه، إلا على وفق أحكام القانون، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، وأن كرامة الإنسان مصونة، وتحرم ممارسة أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي، أو النفسي.
وتعدّ هذه الجريمة من الجرائم الاجتماعية الخطيرة لما لها من آثار على جوهر الحياة الاجتماعية والإنسانية، وهي الحرية والأمن الشخصي، وغالباً ما تتعرض عوائل المختطفين لحالات نفسية ومرضية متعددة؛ لعدم علمهم إذا كان ابنهم لا يزال على قيد الحياة أو لا، ممّا يضع أفراد العائلة في موقف يصعب استيعابه، كما أن للجريمة تبعات اقتصادية، ولاسيما إذا كان المختطف معيلاً بأسرته.
وعندما تتم عملية الاختطاف تبدأ دوامة البحث عن المختطف من قبل ذوي المختطف، وتبدأ عملية المساومة والابتزاز من قبل الأجهزة القمعية، إذ تُصرف الأموال الطائلة، وتباع المساكن والممتلكات في سبيل الوصول إلى طريق يرشد الأهل لمصير ابنهم المختطف، أما مصير المختطف فإنه يقضي وقتاً غير معلوم في زنازين الأجهزة القمعية، ويُعرض لأنواع شتى من التعذيب البدني والنفسي، وعندما تكتمل التحقيقات، وتنتزع منه الاعترافات تحت وطأة التعذيب فإنه يحول إلى جهات أخرى؛ ليكون مصيره إما الإعدام أو السجن بعد محاكمة صورية، وربما تنقطع أخبار المختطف، فلا يعرف مصيره، كما حدث مع الكاتب العراقي عزيز السيد جاسم عام 1991 الذي لم يعثر عليه حتى اليوم .
وفي بعض الأحيان تفشل الأجهزة القمعية في انتزاع الاعترافات؛ فيطلق سراح المختطف بعد تعرضه لصنوف مختلفة من التعذيب، ولمدد زمنية طويلة، فيخرج المختطف قلقاً مضطرباً مشوشاً سريع الانفعال، مصاباً باضطرابات نفسية عميقة، وربما تترك تلك الخبرات والتجارب أثرها على نفسية المختطف، وتأثيراً على قواه العقلية؛ فيعاني اضطراباً عقلياً مزمناً، وينتهج سلوكاً اجتماعياً عنيفاً، أو غير طبيعي، وطالما شوهد الكثير من المختلين والمشردين الذين كانوا في الأساس ضحية اختطافهم وتعذيبهم من قبل الأجهزة القمعية للنظام.