أ.د. حسين الزيادي
مهما تباينت المسميات فان التنظيمات الإرهابية تنهل من منهل واحد ومنبع مشترك، وهذا ما كشفت عنه الأساليب التي تستخدمها عناصر تلك التنظيمات من استهداف للمدنيين والأقليات والمؤسسات في الأماكن التي ينشطون بها، او البقاع التي سيطروا عليها، ومارسوها سلوكاً عملياً وجسدوها على الأرض في مشاريع وحروب وامارات، فضلاً عن مواقفها من الطوائف الأخرى وتكفير المخالفين لهم والرافضين لآرائهم واستحلال دمائهم، ومحاولة فرض آراءها بالقوة والعنف إن استلزم الأمر.
وعلى الرغم من بعض الأمور الخلافية بين هذه التنظيمات فانه لا يتعدى كونه خلافاً قائماً على نوع المرجعية الحركية للزعامة، واحيانا يكون الخلاف على نوعية العدو الذي يجب ان يستهدف اولاً، والاستراتيجية المتبعة في مواجهته، أما الفكر والاصول فليس ثمة فرق بين هذه الحركات، فهم أبناء ملة واحدة يسعون لهدف مشترك، وينتمون لمدرسة تؤمن بالعنف منهجاً ومسلكاً، وقد كانت استراتيجية داعش في هذا المجال أكثر وضوح.
والدليل على انصهار جميع التنظيمات الإرهابية ببودقة واحدة ان اغلب عناصر التنظيمات الإرهابية في سوريا نشأت في احضان القاعدة، حتى ان الجولاني قائد التنظيم الذي صنف بوصفه إرهابي عالمي كان الرجل الثاني بعد ابو مصعب الزرقاوي، ثم انضم إلى تنظيم داعش في العراق، بعد ان بايع ابو بكر البغدادي، وعاد إلى سوريا بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق، حيث قام بإنشاء فرع لتنظيم القاعدة للانضمام إلى القتال ضد الحكومة السورية مع تغيير في المسميات، ولاشك ان هذه التنظيمات تحاول اخفاء اهدافها الحقيقية ووسائلها التعسفية لأنها تدرك جيداً ان الساحة الاجتماعية ما عادت تتقبل تلك وسائلها واهدافها، لكنها بمجرد ان تهيمن وتستحوذ على موطأ قدم تكشف عن انيابها واساليبها وطرق تعاملها مع الاخرين.
إن التغيرات التي تشهدها المنطقة ودول الجوار تحديداً، وتنامي قوى التطرف واتساع المناطق التي تسيطر عليها يحتم على العراق اتخاذ سلسلة من التدابير الأمنية التي باتت اكثر ضرورة من أي وقت مضى لتعزيز حدوده وتحصينها، وإقامة تحصينات أمنية إضافية لمنع تسلل الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تكثيف المساحة العسكرية من خلال نشر القوات الأمنية، وتسيير طلعات جوية دورية على امتداد ساعات النهار تحت إشراف قيادات عسكرية مجربة، ومن جانب اخر ينبغي ان تأخذ الخارجية العراقية دورها في تعزيز التعاون الاقليمي وإجراء مباحثات مع دول الجوار لتوحيد المواقف والتنسيق الأمني ومواجهة التحديات التي ربما تكون مشتركة.
إن البعد الجغرافي للعراق جعله عرضة لتداعيات الأزمة السورية نظراً إلى عوامل عدة، أبرزها الحدود الطويلة بين العراق وسوريا التي تزيد على 600كم(1)، والتي تمثل معبراً محتملاً للجماعات الإرهابية، ومن جانب آخر هناك الخلايا الإرهابية التي يمثل تهديداً متزايداً والتي مازالت تمارس دوراً ارهابياً في بعض المناطق، ووسط هذه التوترات يحتاج العراق إلى تعزيز جهوده للحفاظ على استقراره من خلال تطوير المنظومة الأمنية والاستثمار في التنسيق الاستخباراتي، وتعزيز التعاون الاقليمي والانخراط في شراكات استراتيجية مع دول الجوار لمواجهة التحديات المشتركة.
يعرف الامن الوطني على انه قدرة الدولة أو الأمة عبر وسائلها المتاحة على ضمان قيمها ومصالحها الأساس من مختلف أشكال التهديد، وبهذا يعد الامن الوطني حلقة الوصل بين الأمن الداخلي والأمن الدولي، وبالتأسيس على ما سبق تشير التطورات الأخيرة في سوريا إلى أن المنطقة مقبلة على تحديات كبيرة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي والأمني، ويظل الحفاظ على الأمن القومي العراقي مرهوناً بقدرة العراق على التصدي للتداعيات المحتملة للأزمة السورية، في ظل ساحة دولية مضطربة تشهد صراعات معقدة ومصالح متضاربة وتدخلات اقليمية ودولية .
(1)باسم عبد العزيز وحسين الزيادي، جغرافية الوطن العربي، دار الفيحاء للنشر والتوزيع، بيروت، 2014.