أ.د. حسين الزيادي
استوقفتني هتافات عدائية لمجاميع متطرفة تقاتل في سوريا، تدعو لمواصلة الزحف نحو كربلاء؛ لتصفية حسابات ثقيلة وطويلة، وهي بذلك تظهر فلسفة التنظيمات الإرهابية على اختلاف تسمياتها، وتوجهاتها، ومرجعتيها، وقد سبق ذلك قول أبي محمد العدناني الشامي المتحدث باسم داعش الإرهابي عام 2014، (إن وطيس المعركة لم يحم بعد، ولن يحمى إلا في كربلاء)، وهذه الهتافات لم تأتِ جزافاً، فأرض كربلاء لما لها من مكانة دينية ناجمة عن احتضان المدينة لمرقدي الإمام الحسين، وأخيه العباس (عليهما السلام) جعلت منها نبراساً للنهضة، ورفض الظلم، ومحاربة الطغيان والانحراف على مر العقود والحقب، وهذا يعني عدم استهداف كربلاء بوصفها حيزاً جغرافياً مادياً، بل هي شعارات يُقصد منها استهداف الإسلام المحمدي المعتدل، وخط أهل البيت (عليهم السلام)، فالنظرة إلى كربلاء هي نتيجة صراع طويل بين قيم الحرية والاعتدال، وقيم التطرف والكراهية، وعموما فهذا الهاجس يُظهر جملة من المعطيات:
- الجماعات الإرهابية على اختلاف توجهاتها تمتلك مشروعاً تكفيرياً يتجاوز الحدود السورية؛ لأنه لا يعترف أصلاً بالحدود السياسية، فهو مشروع عدواني تكفيري متطرّف .
- الشعارات والهتافات التي تطلقها الجماعات المتطرفة تُظهر فلسفة تتمحور حولها أيدلوجية التنظيمات المتطرفة، فالقدس وغزة ليسا وجهتهم، بل لم تدخل في حساباتهم أصلاً.
- تُستهدف كربلاء؛ لأنها تمثل تجسيداً للنهضة الحسينيّة التي على كثرة دروسها، وعبرها، ودلالاتها كانت تهدف لإيقاف مشروع التطرّف الأُموي الذي يتكأ عليه الفكر التكفيري، فالإمام الحسين (عليه السلام) يمثل الاتجاه الذي يحاول إرجاع الأُمة إلى خطّ الاعتدال والوسطيّة، والوقوف بوجه العنف، والكراهية، ورفض الآخر؛ لذلك أخذت هذه النهضة المباركة على عاتقها مواجهة جميع أشكال التطرّف والانحراف الذي يسري في جسد المجتمع الإسلامي آنذاك.
- تدرك الجماعات الإرهابية أن النهضة الحسينية قضية متجذّرة في الوعي الإسلامي، لها القدرة على تأجيج الوعي الثوري للأمم المضطهدة الثائرة على الظلم والانحراف على امتداد المراحل الزمنية، وكلما تقادم الزمن أصبحت أكثر رسوخاً في وجدان الأمّة؛ لأنها واقعة اجتازت جغرافية المكان والزمان، واستمدت عظمتها من نور النبوة، وعنفوانها من دماء الشهادة، فأصبحت رمزاً للصراع الدائر بين الخير بكل مضامينه، والشر بكل اتجاهاته، وتشكل كربلاء مصدر إلهام يجعل الحفاظ على التراث، والقيم الإنسانية أمراً ممكناً
- هذه الهتافات تُظهر نظرية التدرج العدائي لدى الجماعات التكفيرية، والسلفية الجهادية عموما، فهناك العدو البعيد والعدو القريب، وفكرة إرجاء قتال العدو القريب، وهذا الاختلاف جاء على أساس الأولوية التي تراها الجماعات الإرهابية التي تؤمن بمحاربة العدو البعيد، وهم اتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ثم التفرغ للعدو القريب أي الأنظمة العربية والإسلامية.
- تشير هذه الهتافات المتطرفة إلى الثوابت والمنطلقات التي ينبغي الوقوف عندها طويلا، فالدلالة الاولى تشير إلى أن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بأحداثها عززت مبدأ الحوار، والتعايش السلمي والمجتمعي، وهي أمور تقع على النقيض من الفكر التكفيري، والدلالة الثانية تشير الى ان كربلاء تمثل خط الدفاع الأول عن القيم الإسلامية السمحة التي ترفض العنف والتطرف.