banarlogo

انتهاكات نظام البعث لنصوص الدستور العراقي المؤقت 1970

qwe
– الجزء الأول –
أ.د. حسين الزيادي
لم يكتف نظام البعث بانتهاك القوانين، والعهود، والمواثيق الدولية ، بل امتدت انتهاكاته لتشمل دستور 1970 الذي خطه بنفسه، ويفترض أن يقيد تصرفاته، وأفعاله، إذ سعى نظام البعث إلى منع كل الحقوق الأساسية التي ذكرت في الدستور المؤقت؛ لذا جاء هذا المقال ضمن سلسلة من المقالات تسلط الضوء على انتهاكات نظام البعث لدستور 1970 الذي صدر في السادس عشر من تموز عام 1970، بعد اتفاقية الحادي عشر من آذار، ولم تشكل في ظله محكمة دستورية لمراقبة مشروعية وجود السلطة والقرارات التي تقوم بإصدارها، والرقابة على دستورية القوانين، والأنظمة النافذة، أو تفسير نصوص الدستور، وفيما يخص تنظيم، أو إدارة شؤون الدولة لم يشر إلى انبثاق حكومة عراقية منتخبة من قبل الشعب العراقي، ونشير هنا إلى بعض هذه الانتهاكات الدستورية على أن ترد بقية الانتهاكات تباعاً معززة بالوثائق الرسمية بحسب توافرها، وحيثما دعت الحاجة لذلك:
أولاً- شخصية العقوبة:
نصت الفقرة (أ) من المادة /21 من الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 على أن (شخصية العقوبة) ، إلا أن هذا النص الدستوري فقد قيمته القانونية من الناحية الفعلية؛ نتيجة لقرارات نظام البعث في العراق التي كانت تلاحق ذوي المتهمين، أو المعدومين، إذ أصدر مجلس قيادة الثورة العديد من القرارات التي تلاحق أقارب المعدومين والسجناء السياسيين وعوائلهم، وكما يتضح من المستند المرفق طيا، ولم تقتصر القرارات على المعارضين السياسيين، بل شمل حتى المعاقبين حزبياً وقانونياً، بحسب قرار القيادة القطرية لحزب البعث المرقم م ع /78/ 77551 في 14-8-1981، إذ امتدت العقوبة حتى الأقارب من الدرجة الرابعة.
ثانياً: المتهم بريء حتى تثبت إدانته:
نصت المادة/20 من الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 على أن: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، وأكدت المادة نفسها أن حق الدفاع مقدّس في جميع مراحل التحقيق، والمحاكمة على وفق أحكام القانون، وأن جلسات المحاكم علنية، وهذا النص الدستوري لا يتسم بأي قيمة قانونية من الناحية العملية في ظل قرارات حكومة البعث، إذ إن التهم السياسية، وتهم الهروب من الخدمة العسكرية لا تخضع للقضاء المدني، أو الجنائي، وإنما يتم النظر فيها من قبل المحاكم الخاصة التي أنشأها نظام البعث، ومنها محكمة الثورة سيئة الصيت، والمحاكم الوقتية التي تنشأ لأسباب وقتية، ويكون رئيسها وأعضاؤها على الأغلب من رجالات النظام ووزرائه، كما هو الحال بالسبة للمحكمة الخاصة بانتفاضة صفر عام 1977 التي تشكلت بموجب قرار (مجلس قيادة الثورة) المرقم (215) في 23 شباط 1977، والمؤلفة من عزت مصطفى رئيسا، وفليح حسن الجاسم، وحسن علي العامري، وأصدرت قرارها بإعدام كوكبة من الشباب العراقي، وكثيرة هي المحاكم الخاصة التي شكلها مجلس قيادة الثورة، وكانت الأحكام تصلها جاهزة، وما عليها ألا إلقاؤها بصورة علنية، والجدير ذكره أن هذه المحاكم ترتبط مباشرة برئيس الجمهورية، وهي غير تابعة لوزارة العدل، ويتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية الإنشاء، والإلغاء، والتصديق على القرارات؛ خلافا لما أقرته الفقرة (أ) من المادة (63) من الدستور التي تشير صراحة إلى أن: القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون، بالإضافة إلى المحاكم العسكرية، إذ يتم اعتقال المتهمين السياسيين والهاربين من الخدمة من دون إجراءات قانونية صادرة من القضاء.
    أما بالنسبة لعلانية المحكمة التي نص عليها القانون؛ فلم يعد لها وجود فعلي في ظل المحاكمات السرية التي تجريها محكمة الثورة، والمحاكم الخاصة، وكان هناك بعض المحامين الذين يسيرون في فلك النظام، ويأتمرون بأمره، إذ تقوم المحكمة في أحسن الأحوال بتوكيل محامٍ عن المتهم، علماً أن الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم غير قابلة للاستئناف، أو التمييز ، وفي 15 أيار 1991 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً استبدل فيه اسم محكمة الثورة بمحكمة أمن الدولة؛ لتغيير الانطباع الوحشي لهذه المحكمة في أذهان الناس، إلا أن هذا الإجراء لم يقلل من حملات الإعدام الدورية التي كانت تأخذ مجراها بانسيابية من دون تهمة واضحة.
ثالثاً: حرية السفر والتنقل
نصت المادة (24) من الدستور العراقي الموقت لعام 1970 على أنه: لا يجوز منع المواطن من السفر خارج البلاد، أو من العودة إليها، ولا تقييد تنقله داخل البلاد، إلا في الحالات النادرة التي يحددها القانون، وفي مواجهة هذا النص الدستوري وضع نظام البعث جملة من الشروط التي من شأنها تقليص عمليات السفر الى اضيق مايمكن، ولم يكن يسمح بالسفر إطلاقاً خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وبعد ذلك فرضت مبالغ طائلة على كل من أراد السفر تصل إلى أربعمائة ألف دينار عراقي، مع تحديد جهة السفر، وسببه، أما في داخل العراق؛ فلم يكن التنقل مسموحا به لبعض المحافظات، فضلاً عن وضع بعض المواطنين قيد الإقامة الجبرية، وفي ذلك مخالفة للدستور المؤقت لعام 1971.