المحامي حبيب القريشي
حددت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عددا من الأفعال التي تدخل في إطار الإبادة الجماعية في المادة الثانية، ومنها:
* قتل أفراد الجماعة .
* إلحاق أذى جسدي وعقلي خطير بأفراد الجماعة .
* إخضاعهم بشكل متعمد لظروف معيشية بقصد تدميرهم كليا أو جزئيا .
وعلى الرغم من حجم الغضب الإسرائيلي الناجم عن مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية التي وجدت أساسا لارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة؛ فإن المعطيات الميدانية تشير إلى أن تغييرا كبيرا لم يطرأ على سلوك قوات جيش الاحتلال على الأرض، فيما توثق التقارير الدولية وصول المأساة الإنسانية في غزة إلى مستويات غير مسبوقة.
وتفيد البيانات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا) باستمرار ارتفاع أعداد الضحايا بنسب كبيرة منذ رفع الدعوى لدى محكمة العدل الدولية .
وقد قدّرت تلك البيانات ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين منذ ذلك الوقت -أي في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي وحتى يومنا – بأكثر من (44) ألفاً
مقارنة للتاريخ
في حكمها الصادر في فبراير/شباط 2007 خلصت محكمة العدل الدولية في دعوى البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود بشأن تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها إلى أن عمليات القتل في سربرنيتسا في يوليو/تموز 1995 – التي راح ضحيتها (7) آلاف مواطن مسلم – قد ارتكبت بنية محددة لتدمير مجموعة المسلمين البوسنيين في تلك المنطقة جزئيا.
وأكدت المحكمة أن ما حدث هناك كان بالفعل إبادة جماعية، في حين أن أعداد الضحايا في تلك المذبحة المروعة تمثل أقل من أعداد الضحايا الذين قضوا نتيجة العدوان العسكري “الإسرائيلي” على غزة فقط، منذ إقامة طلب الدعوى ضد إسرائيل لدى المحكمة الأممية .
قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) إن الحكومة الإسرائيلية لم تمتثل لإجراء واحد على الأقل في الأمر الملزم قانونا الصادر عن محكمة العدل الدولية .
وأضافت المنظمة أن المحكمة أمرت إسرائيل باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية في غزة .
وأوضحت المنظمة أنه حتى بعد مرور شهر لا تزال إسرائيل تواصل عرقلة توفير الخدمات الأساسية، ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة داخل غزة .
وأكدت المنظمة أن ما يجري في غزة هو أعمال عقاب جماعي ترقى إلى مستوى جرائم حرب، وتشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاح من أسلحة الحرب
وكانت جنوب أفريقيا قد تقدمت، يوم 11 من يناير/كانون الثاني، بدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، للحكم على تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة الجماعية، وإصدار أمر يجبرها على سحب قواتها، ورفضت إسرائيل في جلسة للمحكمة -اليوم التالي- الاتهامات الموجهة لها.
وفي حكم مؤقت صدر في 26 يناير/كانون الثاني، طلبت محكمة العدل من إسرائيل اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، وتحسين الوضع الإنساني في القطاع.
وإذا تطرقنا إلى عناصر جريمة الإبادة الجماعية التي هي:
تتطلب جريمة الإبادة الجماعية وجود نية محددة لتدمير جماعة وطنية، أو عرقية، أو عنصرية، أو دينية؛ كليًا أو جزئيًا. وتجسد هذه النية المحددة العنصر المنهجي للإبادة الجماعية، والذي يمثل البعد الدولي للجريمة.
وأركان جريمة الإبادة التي هي:
1 – أن ينقل مرتكب الجريمة قسرا شخصا، أو أكثر.
2 – أن يكون الشخص، أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية معينة.
3 – أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية، أو الإثنية، أو العرقية، أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك.
4 – أن يكون النقل من تلك الجماعة إلى جماعة أخرى.
نجد أن إسرائيل قد ارتكبت هذه الجريمة بعناصرها وأركانها، وتمادت فيها بنحو لم يشهد له التأريخ الحديث لمثل هذه الجريمة في وقت قصير، وبقعة محددة من الأرض بهذا الحجم وضد شعب أعزل.
بالنهاية وفقا للمادة السادسة، تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص بإزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.
وإلى أن تتكون دولة فلسطينية يمكن لمحاكمها أن تنظر بهذه الجرائم، أو أن يكون المجتمع الدولي أكثر شجاعة، ويحاكم قادة إسرائيل على جرائمهم؛ سوف تبقى العدالة غير متحققة للأرواح التي أزهقت.