أ.د. حسين الزيادي
الهوية الثقافية هي نظام من القيم والتصورات التي يتميز بها مجتمع ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية، وكل شعب من الشعوب ينتمي إلى ثقافة مميزة تميزه من غيره، وهي كيان يتطور باستمرار، ويتأثر بالهويات الثقافية الأخرى، ولم يكتف تنظيم داعش الإرهابي بالاعتداء على البشر، نحراً وحرقاً وصلباً، بل امتدت سياسته العدوانية لتطال الهوية الثقافية للمجتمعات التي سيطر على أراضيها، والعراق أحد أهم البلدان التي حاول التنظيم القضاء على هويتها، وتدمير ما يتعلق بتاريخها من خلال تدمير معالم التاريخ وصروحه، وقد اتخذ تنظيم داعش المتطرف طرق عدة في سبيل طمس الهوية الثقافية، منها تفجير الشواهد والمزارات الدينية في محافظة نينوى وتدميرها إبان احتلاله للمحافظة، التي تختص بها جماعة معينة وفئة بذاتها.
تعدّ المدن التي سيطرت عليها عصابات التنظيم المتطرفين من المدن التاريخية التي تحتوي على إرث تاريخي ديني وحضاري عريق، له مكانته في نفوس-ساكنيها من شيعة آل البيت )عليهم السلام(، وقد أدت سيطرة تلك العصابات إلى انتهاكات جسيمة في حق هذا الإرث التاريخي؛ مما ولد استياء كبيراً لدى أهالي تلك المدن ضد وجود هذه العصابات الإرهابية، ومن المزارات والشواهد التي طالتها يد التطرف والخاصة بشريحة معينة نذكر على سبيل المثال الآتي:
-
– تهديم قبر البنت الذي يعود تاريخه لأكثر من مئتي سنة، والكائن في سنجار، الذي كان مزاراً للسائحين وقاطني المدينة .
-
– استخدام مسجد الإمام المحسن، وموقعه أمام كنيسة التي اتخذها التنظيم مكاناً لاستقبال التائبين، بحسب تعبير التنظيم المتطرف، أي لاستقبال عناصر الجيش والشرطة وبقية أجهزة الكفر بحسب ادعائهم.
-
– قامت عصابات داعش الإرهابية بتفجير مقام الإمام علي )ع (، ومقام الإمام علي بن موسى الرضا )ع (، وهدم حسينية القبة ومزار خضر إلياس، ومسجد الإمام الحكيم، ومسجد ومنارة أهل البيت، وحسينية الصادق (عليه السلام).
-
– قامت عصابات التنظيم المتطرف بنسف حسينية قرية كوكجلي بتاريخ 14-7-2014.
-
– قامت عصابات التنظيم المتطرف بتفجير مقام الإمامين علي والرضا (عليهما السلام)، وحسينية ومكتبة الميرزا جواد التبريزي، ومدرسة عائدة لديوان الوقف الشيعي في ناحية البشير التي يقطنها أغلبية من التركمان الشيعة بتاريخ 17-7-2014.
-
– قامت عصابات التنظيم المتطرف بتدمير حسينية) حسن كويى( و )حسينية الحسن العسكري ( وتفجير )مرقد الشيخ إبراهيم( و)حسينية قدو( و )حسينية سعد بن عقيل( في ناحية المحلبية القريبة من تلعفر بتاريخ 19-7-2014.
-
– قامت عصابات التنظيم المتطرف بتفجير مرقد الإمام يحيى أبي القاسم بمنطقة الشفاء في الموصل بتاريخ 23-7-2014.
-
– قامت عصابات التنظيم المتطرف بتفجير مقام الإمام علي الأصغر بن الحسن، وتفجير حسينية الواد الأخضر، وحسينية فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وحسينية القبة وسط الموصل بتاريخ 24-7-2014.
-
قامت عصابات التنظيم المتطرف بتفجير مسجد الإمام عون الدين بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في 25-7-2014
-
قامت عصابات التنظيم المتطرف بتدمير المزارات الدينية، ومنها مقام السيدة زينب في المدينة يوم 4-8-2024
-
– – فجرت عصابات التنظيم المتطرف بتاريخ 2-9-2014 مرقد الإمام عبد الرحمن في منطقة الطوالب بربيع مدينة الموصل، كما قامت عصابات داعش الإرهابية في 2-9-2014 بتفجير جامع ومرقد عبدالله الباقر الحسني بربيع الموصل.
-
قامت عناصر تنظيم داعش برفع راياتها فوق مزار العباس في قرية قرة قويون شمال الموصل، وفوق الحسينيات الشيعية الثلاث الرضا في قرية قرة قويون القبة، والزهراء والإمام الحسين (عليهم السلام (في قرية الشريخان الواقعة شمال الموصل، ثم قاموا بتفجيرها بتاريخ 24-6-2014.
-
أقدمت عصابات داعش الإرهابية على نسف وتدمير حسينية وجامع الإمام علي في قرية بسطاملي التركمانية.
-
– قامت عصابات داعش بنسف وتدمير حسينيات) ملا باقر، جامع المصطفى) في قرية جردابلي التركمانية، وتدمير حسينيات )الحسن العسكري)، جامع ومسجد الإمام علي (عليه السلام)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام).
إن ما فعله تنظيم داعش الإرهابي يعدّ انتهاكاً فاضحاً لكل المواثيق والأعراف الدولية ، إذ إن الحفاظ على قدسية وحرمة الأماكن الدينية المقدسة أمر تكفله العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية، فقد نصت المادة )١٨( من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ١٩٤٨م، إن لكل شخص الحق في حرية التفكير، والضمير، وإقامة الشعائر الدينية ومراعاتها، سواء أ كان ذلك سراً أم علناً، وقد تقررت هذه الحماية والحصانة للمقدسات الدينية في العديد من الاتفاقيات منها اتفاقية لاهاي عام 1954م التي نصت على ضرورة حماية الممتلكات الثقافية في أوقات النزاعات المسلحة، وعلى رأسها دور العبادة والأماكن المقدسة، فضلاً عن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م وملحقيها الإضافيين لعام 1977م، إذ نصت المادة (53) من الملحق الإضافي الأول على حظر ارتكاب أية أعمال عدائية ضد أي من الآثار التاريخية، والفنية، وأماكن العبادة.
ومن النصوص التي تحمي الأماكن الدينية بوصفها أعيان مدنية ما جاءت به المادة (٥٢) من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة التي نصت على أن لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم والمساس بالشواهد الدينية لا يعد مساساً بأعيان مدنية فحسب، إنما هو مساس بالعقائد والروحانيات لدى أتباع كل دين أو طائفة.
أما المشرع العراقي فقد أدرج الجريمة ضمن جرائم الماسة بالشعور الديني؛ لأن الضرر المعنوي الذي تخلفه تلك الجريمة يتمثل عادة بالألم الذي يصيب الإنسان؛ نتيجة المساس بقدسية المعتقدات الدينية(1)، وقد شملت تلك الجرائم بحسب قانون العقوبات العراقي: إتلاف وتدنيس الأبنية والرموز المقدسة، وقد ورد هذا الاعتداء في المادة (٣٧٢/ اولا / الفقرة ٣ ) التي جاء فيها: من خرب، أو أتلف، أو شوه، أو دنس بناء معداً لإقامة شعائر طائفة دينية، أو رمز، أو شيئاً آخر له حرمة دينية) وبهذا يتضح أن المشرع الجنائي لم يشر بصراحة إلى العتبات المقدسة، إلا أنها مشمولة بهذا النص؛ لكونها تعد من أهم الأماكن الدينية في العراق، بل وأقدسها وهي من أهم المباني المعدة لإقامة الشعائر الدينية.
وقد صدر قرار مجلس الأمن المرقم 2347 في 2017 ليدين تدمير التراث الثقافي من قبل الجماعات الارهابية بما في ذلك المواقع الدينية، وجاء قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005؛ ليجرم جميع الإعمال الإرهابية بما في ذلك الاعتداء على الأماكن الدينية، ويعاقب مرتكبيها بعقوبات قد تصل إلى الإعدام في حالة الاعتداءات الخطيرة التي تسبب أذىً بالغاً، أو تدميراً واسع النطاق للمواقع الدينية.
(1) نوال طارق إبراهيم العبيدي، الجرائم الماسة بحرية التعبير عن الفكر، الطبعة الأولى، دار الحامد للنشر والتوزيع،،٢٠٠٩ ص (٧٨).
المصادر
-
الدكتور فاضل الغراوي، انتهاكات وجرائم عصابات داعش ضد الشيعة في العراق، بغداد، 2020.
-
جمهورية العراق، وزارة السياحة والآثار، انتهاكات عصابات داعش للموروث الحضاري في العراق.
-
أحمد عبد الرحمن مصطفى، داعش من الزنزانة الى الخلافة، 2015.