banarlogo

الأمن الاجتماعي المفقود في زمن البعث المقبور

د.محمد جبار الكَريزي
Mahmmed_j_12@yahoo.com
يستحضر العراقيون الأمن الاجتماعي المفقود في زمن البعث المقبور في أحاديثهم، وجلساتهم، وذكرياتهم، ومأساتهم، والمحن، والعذاب، والحرمان، وفقدانهم الأحبة، وسياسات الإقصاء، والتّمييز الممنهج في تلك الحقبة المظلمة، وقد كان العنف والتطرف من أدوات سياسة الدولة في مواجهة أبناء الشعب، إن حكم البعث أفقد العراقيين مفهوم الأمن، وولّد مناخ من الإجرام، والإرهاب، وانعدام الثقة بين فئات المجتمع كافة.
وقد عملت بعض المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية المتخصصة في مجال التوثيق على جمع وإحصاء بعض الحالات والانتهاكات الإجرامية بحق أبناء الشعب العراقي، وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود سوداوية.
إن الهدف الأساس من شيوع الأمن المجتمعي، هو أن يعيش الفرد حالة من الاطمئنان والاستقرار مع ضمان عدم الخوف والرعب والإرهاب داخل مجتمعه.
إذ يشير الأمن الاجتماعي إلى عناية الدولة بالمجتمع من الجوانب جميعاً، مع توفير مستلزمات العيش بكرامة على وفق ثوابت قيمية وأخلاقية تحفظ التعايش الاجتماعي، وتكفل لكل فرد احترامه، وحرمته، وحرمة عرضه، وماله، ونفسه، وهذا مسار مفقود، بل كان حلم يتطلع إليه أبناء الشعب العراقي.
وهناك ارتباط وثيق ما بين الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، وهذان المفهومان عانى منهما أبناء الشعب العراقي في السبعينات والثمانيات، وصولاً إلى الحصار الاقتصادي المفروض؛ بسبب السياسة العبثية للنظام البائد، ونستذكر في هذا الصدد السنة الكونية بالآية القرآنية في سورة قريش، قال تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، أن تأمين مصدر الرزق مقدم على الأمن، إذ من دون أمن اقتصادي يحفظ الكرامة، ويوفر لقمة العيش، ويجتث البطالة والفقر الموصل لليأس والنقمة، لا يكون استقرار وأمن في المجتمع، مما يخلق مناخاً غير مستقر لأبناء الشعب، وكذلك يعدّ هذا من أهم منابع الخلل للأمن الاجتماعي.
إذ إن الأمن الاجتماعي يقوم على مجموعة من المقومات في أي دولة، ومنها:
  1. السلطة والنظام:
   كانت السلطة تمارس الظلم والاضطهاد بحق العراقيين في زمن البعث المقبور، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش دون قوانين، وسلطة عادلة، إذ عملت سلطة النظام البائد على انتهاك حقوق الإنسان على أساس الطائفة، والدين، والمذهب، وخرقت القوانين والأنظمة؛ مما سبب فوضى نتج عنها عدم الاستقرار والأمن لدى الفرد العراقي، ونورد حالة تنفيذ حكم بالإعدام لمواطنين يرتادون على الجوامع، بحسب وثيقة مديرية الأمن العامة / مديرية أمن بغداد، والصادرة بتاريخ 7/7/1989، والتي تنص الوثيقة على الاتي:
  (في تمام الساعة السادسة من مساء يوم 1/7/1989 تم تنفيذ حكم الاعدام شنقاً حتى الموت بحق المجرمين المدرجة أسمائهم ادناه. نرجو التفضل بالعلم وعدم تبليغ ذويهم بذلك بناء على طلب مديرية الاستخبارات العسكرية، والسبب ترددهم على الجوامع بصورة مريبة: وهم كل من: 1.جواد علي امير 2. سامي خلف الخالدي 3. احمد محمدو الساعدي 4. كاظم علوان العامري 5. سليم احمد الخزرجي 6. جاسم عبد الله العلوان.)
  1. العدل والمساواة:
هذه الصفتان كانتا مفقودتان في المجتمع العراقي، إذ يسهم العدل في إعطاء الحقوق لأصحابها، وتنظيم العلاقات بين أفرد المجتمع، والعدل بينهم في المعاملة، وعدم التمييز بينهم تبعًا للهوى والمصالح، فيظهر الإنصاف عند تنفيذ الأحكام بين الجميع، وكفالة حريات الأفراد وحياتهم، ونورد حالة مراقبة للمواطنين من قبل مديرية أمن محافظة واسط. بحسب وثيقة مديرية أمن محافظة واسط، والصادرة بتاريخ 30/8/1998، والتي تنص الوثيقة على الاتي:
(تقرر تكليف الضباط والمفوضين والمراتب بواجب متابعة الجوامع والحسينات التي تجري فيها مجالس القراء بذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) وحتى نهاية فترة محرم وعلى الضباط المتابعين تقديم الموقف الينا وكذلك المرابطة في تلك الجوامع منذ بداية القراء وحتى الانتهاء).

  1. التماسك الاجتماعي:
   يُعد الترابط والتماسك في العلاقات بين أفراد، ومعرفة الحقوق والواجبات لكل فرد في المجتمع، من أهم المقومات التي تحقق الأمن الاجتماعي في المجتمع، والتعاون بين الأفراد، ونبذ التفرقة، وإثارة النعرات الطائفية، ولكن لم يستشعر أبناء الشعب العراقي بهذه الصفة؛ بسبب ممارسات ظالمة أدت إلى شرخ كبير في المجتمع من خلال الاستهدافات الممنهجة والطائفية، ونورد حالة اعتقال مواطن أقام مجلس عزاء حسيني في منطقة الكاظمية. بحسب وثيقة معاونية أمن الكاظمية، والصادرة بتاريخ 23/4/2001، والتي تنص الوثيقة على الاتي:
(من خلال متابعتنا للحالات السلبية التي تثير النعرات الطائفية ضمن المنطقة، لاحظنا قيام المواطن محمد عبد الحسين عبد حسون الزريجاوي الساكن م415 ز7 د22 بإقامة مجلس للقراءة الحسينية للنساء في داره المذكور انفاً وقد تم تدوين افادة المذكور واعترف بانه اقام القراءة الحسينية لمدة ستة أيام وقد قامت بالقراءة القارئة زهرة نجف الشهيرة باسم (صبيحة نجف) والقارئة ناردة (ام احمد). علماً اننا قد قمنا بتوجيه القارئات بعدم إقامة المجالس الحسينية وقم تم توقيعهن على تعهدات خطية بذلك).
  1. الأمن الاقتصادي:
    لم يراعِ النظام البائد الجانب الاقتصادي للشعب العراقي، والتجأ إلى الحروب، والصرعات الإقليمية، والمصالح الشخصية؛ مما سبب تردي الواقع الاقتصادي، وفقدان الأمن والاستقرار في العراق، وعدم الاكتراث لمصالح الشعب، واشتغل حزب البعث المقبور في تجميل صورة قائد الضرورة، وإقامة أعياد ميلاده، والإكثار من صوره في الشوارع، والمدارس، والمطبوعات، وكتابة التقارير في كيفية توفير الحماية لصورة الرئيس، ونورد كتابة تقرير بحسب وثيقة حزب البعث المقبور، والصادرة بتاريخ 12/2/1991، من الرفيق تحسين مدير اعدادية التمريض، والتي تنص الوثيقة على الاتي:
   (قمت صباح اليوم بزيارة مستشفى الاطفال لغرض التأكد من عدد المقاتلين المكلفين بحماية صورة الرئيس القائد صدام حسين (حفظه الله) حيث أكد لي الرفيق يحيى حمود بان عدد المقاتلين المكلفين بالحماية (12) مقاتل بواجباتهم ليلاً ونهاراً، واحتياجاتهم (3) قطع سلاح فقط لغرض تقديم الحماية).
  1. الحرية والقوة:
   تكميم الأفواه كانت صفة ملازمة للنظام البائد في منع الأفراد من ممارسة حرية التعبير عن آرائهم، فضلاً عن استعمل القوة في ضبط الأمور؛ من أجل ديمومة بقاء النظام، إذ وصلت الممارسات البعثية إلى إعدام امرأة بسبب نكتة سياسية، إذ تم إصدار قرار الإعدام بحق الشهيدة المعلمة (سعاد) بسبب نكتة، بحسب الوثيقة الصادرة بتاريخ 22/5/1986، والتي تنص الوثيقة على الاتي:
  • وردتنا معلومات مفادها قيام بعض الأشخاص بإطلاق النكات السياسية المعادية التي تمس شخص السيد الرئيس القائد (حفظه الله) ومن ضمنهم المدعو سعاد كاظم.
  • بتاريخ 7/12/1985 تم القاء القبض على المتهمة المذكورة وأوقفت لدى هذه المديرية، ولدى اجراء التحقيق معها اعترفت بكونها القت النكتة السياسية المعادية التي تمس السادة المسؤولين وأوضحت انها سمعتها من المدعو جاسم سلمان.
  • احيلت الى رئاسة محكمة الثورة بالقضية 4/1986 وقررت رئاسة محكمة الثورة بتاريخ 22/5/1986 الحكم على المتهمة سعاد كاظم بالإعدام شنقاً حتى الموت وفق المادتين 156 و225 بدالة المواد 49/50/53 من ق.ع ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة).
نقترح على المؤسسات المعنية في توثيق جرائم البعث أن تعمل في استمرار على توثيق مسارات الأمن الاجتماعي المفقود في زمن البعث المقبور بجوانب الحياة كافة التي عاشها الشعب العراقي لتكون مادة توثيقة للأجيال، والتاريخ، والدارسين.
وكذلك أن تعمل مؤسسات الدولة الحالية على إرساء مقومات الأمن الاجتماعي في العراق من خلال إرساء المساواة، والحرية، والعدالة في تطبيق القوانين والعقوبات على أفراد المجتمع من دون تمييز.
وأن نستخلص العبر والدروس من تاريخ العراق الحديث في تجنّب حالات فقدان          الأمن والاستقرار التي شهدها العراق خلال حقبة حكم البعث المقبور، والعمل على توثيق هذه الحالات عن طريق الدراسات والبحوث والمؤتمرات، واستذكرها في المناسبات              الوطنية والدينية.
ونشيد بجهود المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف في العراق، في توثيقِ جرائمِ التطرُّفِ والإرهابِ بكلِّ أشكالها، عبر جمع الأدلةِ والبياناتِ حول جرائمِ الأنظمةِ الدكتاتوريةِ ضدَّ أبناء الشعبِ العراقي، وجرائم الحركات الإرهابية والمتطرُّفة، وجرائمِ التطرُّف والإرهاب واستهداف المدنيين.
ومن خلال البحث، لم نجد بحثاً تناول مفهوم الأمن الاجتماعي المفقود في زمن النظام البائد وحزب البعث المقبور من قبل الباحثين.
وكذلك نورد (20) بحثاً علمياً، تناول مفهوم الأمن الاجتماعي في العراق من زوايا متعددة، وفي حقب متفرقة، ومنها:
  1. الباحثان أ.م.د. فاطمة ذياب مالود، نسرين جودي كاظم، الأمن الاجتماعي على وفق نظرية النماذج العقلية الاجتماعية لجلبرت لدى طلبة الجامعة، مجلة، 2022، المجلد 41، العدد 2 – الجزء الثاني، الصفحات 512- 526.
  2. الباحث أحمد قاسم شاكر، مضار ومنافع شبكات التواصل الاجتماعي على الأمن المجتمعي، العلوم النفسية، 2024، المجلد 35، العدد 02C، الصفحات 733-754.
  3. الباحث واثق جعفر كريم، تنمية رأس المال البشري وانعكاساته على الأمن الاجتماعي – دراسة تحليلية، مجلة جامعة بابل، 2020، المجلد 28، العدد 10، الصفحات 247-272.
  4. الباحثان أماني عبد سليم، هاجر مثنى صالح، تأثير الابتزاز الإلكتروني على الأمن المجتمعي، العلوم النفسية، 2024، المجلد 35، العدد 02C، الصفحات 145-158.
  5. الباحثة رشا محمد حسن، نمو المدن العشوائية وتأثيره في الأمن الاجتماعي، العلوم النفسية، 2024، المجلد 35، العدد 02C، الصفحات 451-466
  6. الباحث خوام مانع محمد، التدين الاسلامي والأمن الاجتماعي – دراسة تحليلية، مجلة آداب الفراهيدي، 2020، المجلد 12، العدد 40، الصفحات 547-570.
  7. الباحثة وديان ياسين عبيد، الإرهاب وتداعياته على الأمن والسلم الاجتماعي (دراسة ميدانية للعوائل المتضررة من الإرهاب في مدينة بغداد )، مجلة البحوث التربوية والنفسية، 2016، المجلد 13، العدد 50، الصفحات 467-492
  8. الباحث شاكر عطيه الساعدي، دور التعايش السلمي في تعزيز الأمن الاجتماعي، مجلة أبحاث ميسان، 2024، المجلد 20، العدد 39-4، الصفحات 63-80.
  9. أ.م.د أحمد غالب محي، م.م علي أحمد عبد مرزوك، البعد السياسي للأمن الاجتماعي (دراسة في المفهوم والأبعاد والأهداف)، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، 2020، المجلد 12، العدد 44/1، الصفحات 229-251.
  10. م. م. فاطمة الزهراء عدنان عبد الأمير، هشام عادل هراطه، العدالة الاجتماعية ودورها في تحقيق الأمن المجتمعي دراسة سيسيولوجيا تحليلية، مجلة كلية الكوت الجامعة للعلوم الانسانية، 2024، المجلد Special Issue for Researchers of the 5th Int. Sci. Conf. for Creativity، العدد Special issue، الصفحات 275-289.
  11. الباحث نزار عبدالسادة النصار، خدمات دولة الرفاه الاجتماعية وأثرها في تعزيز الأمن الاجتماعي من منظور الخدمة الاجتماعية، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، 2023، المجلد 15، العدد 4، الصفحات 932-948.
  12. الباحث هشام مهدي كريم، سلوك التملق وعلاقته بالأمن الاجتماعي لدى موظفي الجامعة، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، 2019، المجلد ، العدد 42، الصفحات 1513-1531.
  13. أ.د.عدنان ياسين مصطفى، إشكالية الأمن الاجتماعي في العراق بعد عام 2003 (قراءة سوسيولوجية)، مجلة حمورابي للدراسات، 2014، المجلد ، العدد 10، الصفحات 149-159.
  14. سرمد جاسم محمد الخزرجي، دور الأسرة والمجتمع المدني في تحقيق الأمن الاجتماعي والسلم المجتمعي دراسة انثروبولوجية ( مدينة تكريت انموذجآ)، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية، 2022، المجلد ملحق العدد الثاني حزيران 2022، العدد العدد الخاص بوقائع مؤتمر جامعة الأنبار العلمي الثاني 23-24 آذار/مارس2022، الصفحات 59-92
  15. فاطمة حسين مالود، نسرين جودي كاظم، الأمن الاجتماعي لدى طلبة الجامعة المتزوجين وغير المتزوجين، مجلة العلوم الإنسانية، 2022، المجلد 13، العدد 1، الصفحات 481-492
  16. عبد الله صالح علي، المساجد ودورها في تحقيق الأمن الاجتماعي – دراسة سوسيو-انثروبولوجية في مدينة تكريت، مجلة آداب الفراهيدي، 2020، المجلد 12، العدد 41-2، الصفحات 377-407.
  17. م.م. عمر عثمان ابراهيم الجادرجي، م.د. يونس مؤيد يونس الدباغ، الإعلام الرقمي وتأثيره في الأمن المجتمعي: منصات التواصل الاجتماعي أنموذجًا، المجلة العراقية للعلوم السياسية، 2024، المجلد ، العدد 11، الصفحات 187-202.
  18. أ.م.د. محمد حكمت عبد، دور القيم والأخلاق في الشرائع السماوية في تحقيق الأمن الاجتماعي، مجلة الجامعة العراقية، 2021، المجلد 53، العدد 1، الصفحات 152-160
  19. أ.م.د. صباح كريم محسن، الأمن الاجتماعي في المنظور الإسلامي، مجلة كلية التربية للعلوم الانسانية، 2021، المجلد 11، العدد Appendix No.3، الصفحات 1237-1265
  20. م. د. آيات عبد الوهاب عبد الرزاق، م. د. علي أحمد ناصر، الأمن الاجتماعي في زيارة الأربعين – دراسة في المفاهيم والأحكام – مجلة الأربعين، 2023، المجلد 1، العدد 1، الصفحات 321-354