الإجرام بصيغته القانونية 7 تطرف النظام البعثي في سياسته الأمنية
رائد عبيس
اتخذ النظام البعثي سياسة السيطرة على المجتمع من خلال فرض سياسة عسكرية وأمنية متكاملة، إذ دأب على تأسيس أجهزة أمنية مختلفة، مثل: (الحرس الجمهوري تأسس في 1969، الجيش الشعبي الذي تأسس 1970، والحرس الجمهوري الخاص تشكل في 1988)، أو الأجهزة السرية (الاستخبارات والمخابرات)، وقد قدم مغريات مادية لمن يتطوّع لصنوف القوات المسلحة، والقوى الأمنية، مستغلا بذلك الظرف الاقتصادي المزري لعامة أبناء المجتمع العراقي، والذي كان بإمكانه دعمه مادياً في الأنشطة المدنية والاقتصادية؛ بما يعزز اقتصاد البلد، ويطور من دخل الفرد. وشاهدنا صدام نفسه في مقاطع فيديو؛ وهو يتجول في المناطق الريفية والمدن، ويسأل نساء ورجال تلك المنطقة هل لديكم أحد متخلف عن الجيش؟ هل أبنائكم عسكريون؟ (أثناء زيارة صدام حسين لقرى الجنوب، رابط اللقاء:https://youtu.be/FXMGKiZ0ijs?si=WgOo4DbJSgFyVD9z)
الغريب لم يسألهم عن واقعهم البائس، بقدر سؤاله عن أبنائهم هل شاركوا بالجيش أم لا؟ هذه الملاحقات هي جزء من فرض هيمنة الطاعة القسرية للنظام، من خلال التجنيد القسري للبالغين في القوات المسلحة في أثناء التجنيد للحرب العراقية الإيرانية، والتجنيد في أثناء غزو الكويت، والتشكيل العسكري ” لجيش تحرير القدس” (جيش القدس)، الذي أسس في 17 شباط 2001،(إيلاف، 2002،https://elaph.com/Web/Archive/1019729589261584000.htm)، فضلاً عن تجنيد الشباب في صنف فدائيي صدام [الذي تشكل في 7 تشرين 1994]، أو أشبال صدام [الذي تشكل في 7 /تشرين /1994] الذي جند به الآلاف من الأطفال، من هم بعمر (6) سنوات فما فوق.(AIJ – FIDH،2003، 15 )
ومن يرفض من أبناء الشعب يتعرض لأنواع مختلفة من التدابير الأمنية من ملاحقة، ومراقبة وغيرها. بما في ذلك سحب بطاقات الحصص الغذائية، وتهجير الأهالي، ولا سيما في مناطق التي تعرضت للتعريب، والملاحقات الحزبية، والمداهمات، ومصادرة الأموال، وغيرها من الأساليب القسرية التي تمارس على السكان، ولا سيما مع الأقليات، إذ تروي امرأة آشورية كيف هرب ابنها من الخدمة العسكرية في أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وكيف فقدت قريتها التي كانت تعيش فيها ، تقول: أنا شخصياً فقدت زوجي واثنين من أبنائي. أما ابني الأصغر هرب، وحين بحثت عنه تبين بعدها أنه هرب الى تركيا؛ لأن أريد منه أن ينضم إلى جيش القدس، أو فدائيي صدام، بشكل قسري يجبروه على توقيع وثيقة تشير إلى قبوله التحاقه. (AIJ – FIDH،2003،16 )
كان البعثيون يأخذون الأطفال من سن (6) سنوات في أشبال صدام، ومن سن (14) في تشكيل الفدائيين، وفي جيش القدس يسجلون من النساء والرجال ممن هم في عمر أقل من 60 عاماً من معلمي المدارس الابتدائية والثانوية وعامة الناس، حيث وصل عدد التطوعين أكثر من (6) مليون متطوع ومتدرب، (إيلاف، 2002،https://elaph.com/Web/Archive/1019729589261584000.htm) والذين يرفضون منهم تسحب بطاقاتهم التموينية، ويأتي عناصر الحزب البعثي لاعتقالهم حتى في منتصف الليل.
يكون التدريب في معسكرات خارج المدينة، ويهدف التدريب لتعليمهم حمل السلاح واستعماله، والتدريب على أساليب الحرب والمواجهة، ولإظهار الولاء للحزب والقائد. يبدأ التدريب في العادة من السادسة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر، وتقدم لهم وجبات طعام عسكرية بسيطة مع ماء، كجزء من سياسة الصبر العسكري الذي يفرضها على المتدربين. (AIJ – FIDH،2003، 15 )
تتخوف العائلات من الانتهاكات التي يتعرض لها أطفالهم، ولا يريدون أن يتم تسجيلهم. أحد الشهود من بغداد يذكر كيف دفع مبالغ مادية كرشوة لإنقاذ ابنه، وكيف هرب إلى تركيا تاركًا وراءه كل ما يملك: “وصلت إلى هنا قبل نحو سنة، وقبل عامين، جاءوا وأخذوا ولدي بعمر (16) عامًا إلى الشرطة؛ لترهيبنا وإجبارنا على الانضمام إلى جيش القدس. لقد دفعت مبالغ مالية من أجل إطلاق سراحه، وإلا أخذت السلطات مني كل شيء: بطاقتي التموينية، وأموالي، وإنهم يهددون الناس بدون سبب، فقط لإجبارهم على الوقوف إلى جانبهم، لقد كانوا كذلك يأتون إلى منزلي، ويهينونني، ويطلبون مني توقيع أوراق الموافقة؛ لكني لم أعرف ما هو مكتوب عليها، وإذا سألت لماذا؟ كان جوابهم الوحيد: “اصمت”.
وأفاد أشخاص آخرون أجريت معهم مقابلات: “عندما كنت في كركوك، هاجمني الأمن؛ ويأتون بالعادة بعد الساعة الثانية صباحًا، وطلبوا من إخوتي الانضمام إلى حزب البعث، وجيش القدس، وفي بعض الأحيان، كانوا يأتون أيضًا في الصباح الباكر على انفراد بالسيارات، ويبحثون في السوق، وكثيرا ما اعتقلوا الناس بحجة السرقة. لقد يتسببون لنا دائما بمشكلة؛ لأننا لم ننضم إلى حزب البعث، ابن أختي موجود هنا؛ لأنهم أرادوا تجنيده في جيش القدس، وإجباره على ترك دراسته”. (AIJ – FIDH،2003، 15)
هكذا كان حزب البعث يفرض سياساته الأمنية على الشعب العراقي بسرديات كبرى، مثل: القومية، وتحرير فلسطين، ومواجهة الغرب، ولكن من دون أي جدوى عملية منها، بقدر إيذاء العراقيين، وإلهائهم عن مجابهة النظام، والتفكير بمعارضته. بمعنى أنها سرديات موجهة للرأي العام العالمي والعربي على وجه الخصوص, ولكن بمقاصد داخلية، الهدف منها عسكرة المجتمع، وجعلهم تحت رقابة المؤسسة الأمنية، وفي طوع الحزب ومشاريعه، وقد استعمل الجيش في مواجهة العراقيين، وقمعهم، وإبادتهم، حارفاً بذلك وظيفته الخارجية في الدفاع عن العراق وشعبه، إلى جانب قوى الأمن التي سخرت إلى جانب الجيش، في دعم سياسة الحزب، وهرم السلطة، على حساب العراقيين وأمنهم، وسلامتهم، وكرامتهم، من الشمال إلى الجنوب.