banarlogo

تشريعات البعث بين النظرية والتطبيق إسقاط الجنسية أنموذجاً

أ.د. حسين الزيادي
    في حديث لهرم السلطة في نظام البعث، وفي معرض تعقيبه عن إسقاط الجنسية عن الكرد الفيلية، ومن ثم تهجيرهم أشار بالقول : اجتثوا (أي الفيلية) من أرض العراق؛ لكي لا يدنسوا الدم العراقي حينما تمتزج دماؤهم بدماء العراقيين (1)، ولا شك أن هذه العبارة تشير إلى معنى طافح بالكراهية وغَيْر مَأْلُوف مفاده: أن الولاء للوطن ينتقل بالدم، وهو منطق غاية في الغرابة؛ لأن الولادة المضاعفة تُعد إحدى أسس منح الجنسية في العراق وبقية دول العالم، ويقصد بالولادة المضاعفة ولادة جيلين متعاقبين (ولادة الابن وأبيه)، والمشرع وضع هذا القيد (ولادة جيلين متعاقبين) في بلد ما، لتأكيد الولاء والاندماج بالوسط الوطني للمجتمع العراقي خلال المدة الزمنية.
لقد جعل نظام البعث من التركيبة البيولوجية لدم الشخص معياراً لمنحه الجنسية، وتأسيساً على ذلك شرّع لنفسه تصفية كل من كانت له أصوله إيرانية واجتثاثه عن طريق إسقاط الجنسية عنه، بغض النظر عن مدة بقائه في العراق، لكن الملفت للنظر أن هذا النظام استثنى بحسب كتاب مجلس الأمن القومي المرقم (31) في  25 كانون الثاني1981 التبعية من الآثوريين، والأرمن والأكراد الإيرانيين من إسقاط الجنسية، ومن ثم التهجير، وهو أمر يشير بوضوح إلى أن هذا القانون صيغَ بطريقة ملتوية؛ بهدف إسقاط الجنسية عن المواطنين الشيعة ذويّ الأصول الإيرانية، وترحيل مجموعة مختارة من المجتمع يرى النظام أنها تشكل تهديداً لبقائه.
   لقد حدد المشرع العراقي طرق اكتساب الجنسية العراقية، ومنها الولادة المضاعفة التي كانت تُعتبر من حالات الجنسية المفروضة، أو الأصلية، وفقاً للمادة (8/ب) من قانون الجنسية رقم (42) لسنة 1924 الملغى، في حين أن القانون رقم (43) لسنة 1963 عدها من حالات الجنسية المختارة أو المكتسبة، وهي الحالة التي أٌقرها القانون النافذ، إلا أنه استبدل كلمة أجنبي بـ (الأب غير العراقي)؛ ليساوي بين الأجنبي والعربي في الدرجة، وحدد شروط اكتسابها بأن تكون الولادة المضاعفة في العراق (ولادة الابن وأبيه)، وهي ولادة جيلين متعاقبين في أسرة واحدة؛ لتأكيد جدية الولاء والاندماج بالوسط الوطني للمجتمع العراقي، والحق الآخر الذي أهمله نظام البعث هو حق الإقليم، وهو من حقوق منح الجنسية، فالدولة تفرض جنسيتها على كل من ولد داخل حدودها الإقليمية الوطنية بعد استيفائه للشروط، ويطلق على هذه الجنسية (جنسية الإقليم) نسبة إلى الإقليم الذي ولد فيه .
   لقد بقيت المخاوف الأمنية مسيطرة على فكر نظام البعث حتى أيامه الأخيرة، وتأسيساً على ذلك أصدر هذا النظام جملة من القرارات الظالمة والمتعسفة في مجال الجنسية، فقام النظام بإسقاط جنسية العائلة إذا كان الأب تبعية، بغض النظر عن جنسية الأم، وإذا كان شخص تبعية إيرانية وشقيقه الآخر تبعية عثمانية، عدّ الثاني هو وأولاده وزوجته تبعية إيرانية، وتبعاً لذلك يتم تهجيرهم، وهذا ما أكدته برقية وزارة الداخلية ذي العدد  (2884) في العاشر من نيسان  عام 1980 التي نصت على: عند ظهور عائلة ما بعضهم حاصلون على شهادة الجنسية العراقية، والبعض الآخر مشمولون بالتهجير؛ فيعمد إلى سحب الجنسية، وإرسالها إلى وزارة الداخلية، مع تزويد الوزارة بقوائم المشمولين بهذا القرار؛ ليتسنى إسقاط الجنسية عن الجميع.
  أما الأسر العراقية المرتبطة بآصرة الزواج، فإذا كانت الزوجة عراقية، والزوج تبعية – كردي فيلي – عليها أن تختار بين البقاء أو التسفير مع زوجها، وقد شجع نظام البعث على طلب المرأة طلاق زوجها من خلال عرض مبلغ مالي قدره (10000 ) دينار، والنساء اللواتي فضلن البقاء دون طلاق أزواجهم مُنعن من العمل في دوائر القطاع العام، وفقاً للقرار رقم ( 150 ) في  28 كانون الثاني 1980  والذي جاء فيه: تحرم من الخدمة في الدولة ومؤسسات القطاع الاشتراكي، كل عراقية تتزوج بأجنبي، وإذا كانت الزوجة تبعية إيرانية، والزوج عراقي سمح للزوجة بالبقاء، لكن شجع النظام الأزواج على طلاق زوجاتهم مقابل مبلغ مادي.
وفي انتهاك واضح لحقوق الإنسان، ومخالفة صريحة لكل المواثيق والأعراف الدولية خول مجلس قيادة الثورة المنحل على وفق القرار 1131 في 18 آب عام 1980 وزير الداخلية بيع الممتلكات وتصفية الحقوق العائدة للمسفرين كافة، ونص القرار أيضاً على أن يسجل بدل بيع الأموال في حساب خاص يتم فتحه في مصرف الرافدين، ويجري الصرف من هذه الأموال على إجراءات تنفيذ القرار من متابعة ونقل وما شاكل ذلك، ومصادرة أموال المسفَّرين مخالفة أخرى، وخرق صارخ لمواثيق حقوق الإنسان، ومبادئ العهد الدولي الذي نص في المادة الثانية على كفالة حقوق جميع الأفراد من دون تمييز؛ بسبب العرق، واللون، والثقافة، والجنس، أو اللغة والدين، فضلاً عن مخالفة القرار لأحكام الدستور العراقي 1970 الذي يفترض أن يتقيد به النظام، ولاسيما في المادة ( 19 ) منه التي نصت على عدم انتزاع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة، على وفق تعويض عادل، وبحسب الأصول التي يحددها القانون.
يلحظ مما تقدم أن نظام البعث استسهل أمر إسقاط الجنسية، أو تجريد المواطن منها، وهو بهذا يخالف القواعد الدولية، والاعتبارات الإنسانية؛ لأن ذلك يؤدي إلى انعدام الجنسية، الذي تترتب عليه مجموعة من الآثار القانونية الفردية والجماعية التي تشمل جميع أفراد العائلة، فضلاً عن أن انعدام الجنسية يعني اختفاء الشخصية القانونية للفرد، وفقدانه للحماية، وشعوره بالضياع، فحق التمتع بالجنسية منذ لحظة ولادة الطفل، هو أول الحقوق، وأهمها على الإطلاق، ويحظر القانون الدولي الحرمان التعسفي من الجنسية؛ لأسباب عنصرية، أو عرقية، أو دينية، أو سياسية.
المصادر
  1. فاضل البراك، المدارس اليهودية والإيرانية في العراق، بغداد، 1980.
  2. عبدالله حميد العتابي، تشريعات البعث في ميزان حقوق الإنسان 1968 – 200، الطبعة الأولى، دار الوارث للطباعة والنشر، بغداد.
  3. جمال محمود الكردي ، الجنسية في القانون المقارن، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.
(1) فاضل البراك، المدارس اليهودية والايرانية في العراق، بغداد، 1980 .