الأستاذ عبد الهادي الركابي
1 ـ انتهاك حقوق السجين السياسي في العراق
اهتمت الأمم المتحدة منذ قيامها في 1945 بحقوق الإنسان فرداً، أم أسرة، أم جماعة، أم شعباً، وقد تمثل ذلك في ميثاق الأمم المتحدة المعني بحقوق الأمم والدول وواجباتها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 الذي يعتني بحقوق الإنسان فرداً وأسرة وجماعة.
وحقوق الإنسان هي المبادئ الأخلاقية، أو المعايير الاجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يُفهم عموما بأنه مجموعة من الـحقوق الأساسية التي لا يجوز المس بها، وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها، أو كونه إنسان، فهي ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم، أو مكان وجودهم، أو لغتهم، أو ديانتهم، أو أصلهم العرقي، أو أي وضع آخر. وحماية حقوق الانسان مضمونة قانونياً في إطار القوانين المحلية والدولية، ولا يجوز ولا ينبغي أن تُنتزع إلا نتيجة لإجراءات قانونية واجبة تضمن الحقوق، ووفقا لظروف محددة، فمثلا، قد تشتمل حقوق الإنسان على التحرر من الحبس ظلما، والتعذيب، والإعدام...” من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
يعدّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللبنة الأولى في منظومة الأمم المتحدة، ويمثل العهدين (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) اللذين دخلا حيز النفاذ في كانون الثاني 1976 الشرعة لحقوق الإنسان التي تعدّ القاعدة الأساسية لحقوق الإنسان، التي انبثقت عنها العشرات من العهود، والاتفاقيات، والإعلانات، والبروتوكولات التي تمثل أجيالاً لحقوق الإنسان وتفرعاته. ومنها أيضاً الفقرة التي تنص على ــــ حماية الأشخاص الخاضعين السجن، والفقرة ــــ ۲۹ ـــــ التي توضح القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ــــ التي اعتمدها مؤتمر الأُمم المتحدة الأول لمنع الجريمة، ومعاملة المجرمين الذي عقد في جنيف، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه ٦٦٣. جيم (د – (٢٤) والمؤرخ في ٣١ تموز 1957م، 2076 (د ــ62) المؤرخ في ۱۳ أيار ۱۹۷۷م.
الانتهاكات الموثقة التي مارسها أركان النظام البعثي البائد ضد أبناء الشعب العراقي كثيرة، منها بتوقيع الطاغية المقبور صدام التكريتي، ومنها قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل، ومنها بتوقيع أركان النظام من ضباط الأجهزة الأمنية، والحزبية المختلفة ….إلخ.
سنحاول في هذا المقال والمقالات اللاحقة توثيق بعض هذه الانتهاكات التي طالت أبناء الشعب العراقي.. ومنها انتهاكات حقوق السجين، أو المعتقل السياسي في العراق تحت ظل نظام صدام حسين، مقارنة بوثيقة الأمم المتحدة حول القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
والسجناء السياسيون في العراق أصناف، صنف يُسمح لهم بمُلاَقاة عوائلهم بعد إتمام التحقيق معه الذي قد يطول إلى سنين عدة، وآخرون لا يسمح لهم برؤية أحد، أو يعرف بهم أحد على الإطلاق، إذ يوضع مثل هؤلاء في قاعات ويمنع جلاوزة البعث الوصول إليهم ، كما في القاعات الخاصة في سجن (أبو غريب)، إذ لا يعرف عدد الموجودين فيها من المسجونين السياسيين، والذين يصلون إلى السجن من المعتقلين السياسيين على أقسام:
1 – قسم يؤتى بهم إلى السجن من أجل إعدامهم في وقت لاحق .
2 – وقسم آخر يؤتى بهم إلى السجن لغرض الحجز، وهؤلاء يطلق عليهم تسمية (معتقلون). وقد يطول الاحتجاز سنوات عدة، كما حدث للمئات من المعتقلين السياسيين (الإسلاميين) الذين حجزوا بعد التعذيب الشديد في عام 1969م ، إذ تمّ إعدام عدد قليل منهم كالشهيد (عبد الصاحب دخيل) الذي تعرض للإذابة في التيزاب، والشهداء الخمسة الذين أعدموا عام 1974م (وهم الشيخ عارف البصري ورفاقه: السيد عماد الدين التبريزي، والسيد عز الدين القبانجي، والسيد حسين جلوخان، والشهيد نوري طعمة رحمهم الله). : أما المعتقلون فأطلق سراح بعضهم بعد العفو العام على وجبات خلال الأعوام (1976م و1977م و1978م)، وعادة أنه لا يُبلغ السجناء السياسيون بقرار المحكمة أو المدد الزمنية المحكومين بها. وقد اُعيد اعتقال بعضهم في الأعوام 1979 -1983م، وعددهم بالمئات، وأُعدم عدد كبير .(يتبع)