ataba_head
banarlogo

البعث وزيارة الأربعين .. الشهادة ومعادلة النصر الإلهي

أ.د حسين الزيادي
جامعة ذي قار
   حظيت حرية ممارسة الشعائر الدينية بأهمية خاصة في المواثيق والأعراف الدولية فقد نصت المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنه: لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات أثنية، أو دينية، أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم، وإقامة شعائره، أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد أكد حرية ممارسة الشعائر الدينية سواء كان ذلك بصورة منفردة أم ضمن جماعة، إذ جاء في المادة (18) منه أن: أن لكل إنسان الحق في حرية التفكير، والضمير، والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته، أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم، والممارسة، أو في إقامة الشعائر ومراعاتها، سواء كان ذلك سراً أم جماعة.
    وفضلاً عن انتهاك المواثيق الدولية فإن تصرفات النظام البعثي الخاصة بمنع المشي لزيارة الحسين (عليه السلام) تُعد مخالفة صريحة للدساتير الوطنية التي لم يعرها النظام أي أهمية، ومنها  دستور العراق (1970) الذي نص في المادة الخامسة والعشرين على أن : حرية الأديان، والمعتقدات، وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، وفي المادة السادسة والعشرين من الدستور نفسه: يكفل الدستور حرية الرأي، والنشر، والاجتماع والتظاهر، وتأسيس الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات، وتعدّ تصرفات النظام خرقاً واضحاً لدستور (1968) الذي نص في كثير من فقراته على حماية الدين، والمعتقد، وإقامة الشعائر الدينية.
أصبحت زيارة الأربعين كابوساً يقض مضاجع البعث؛ لأنهم يدركون أن نهضة الحسين (عليه السلام) نبراس التحرر من العبودية، وثورة ضد الظلم والطغيان، فضلاً عن كونها ثورة إصلاحيّة من أجل الدفاع عن قيم الدين و ثوابته، ولم تكن في يوم من الأيام انقلابيّة نفعية، وفيها استنهاض للهمم ورفض لسياسة القمع؛ لذا كانت أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) هدفا للطغاة على امتداد المراحل الزمنية، إذ عمل البعث بكل جهده من أجل اسدال الستار على تلك المسيرة الخالدة، فقد أدرك البعث خطورة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، لأن شعارات الأربعين تعبّئ الجماهير، وتبعث فيهم روح الانتفاضة، بل حتى القصائد الحسينية التي تُلقى خلال الأربعينية تظهر مشبعة بالمعاني الرافضة للظلم، والداعية للخروج على الظالمين؛ لذا شن البعث حرباً شعواء على هذه الشعيرة، واعتبر المشاركة فيها جريمة عظمى، عقوبتها تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، ويظهر من الوثيقة المرفقة قيام مؤسسات البعث بإلقاء القبض بلا وجه حق، وبدون مذكرة قضائية على المواطنين الذين يرومون الذهاب لأداء شعيرة الأربعين، وفي هذا التصرف انتهاك لمبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إذ نص العهد في مادته التاسعة على أن لكل فرد الحق في الحرية، وفي الأمان على شخصه ولا يجوز اعتقال أحد، أو توقيفه تعسفاً، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا للأسباب التي ينص عليها القانون.
 واستعمل نظام البعث الوسائل كافة، وابتكر طرقاً جديدة، وعرّض زوار الأربعينية إلى أبشع أنواع التعذيب والقتل، وكانت حكومة البعث وبالخصوص في زيارة الأربعين تستنفر قواتها جميعاً، وتوجهها إلى كربلاء، وتنشرها على الطرق المؤدية للمدينة، وكأنها دخلت في حرب ضروس، ترافقها حملات اعتقال عشوائية، ومضايقات جمة وشدد البعث على مسألة التغيّب من الدوام الرسمي في جميع المؤسسات المدنية، والدوائر الخدمية، والمدارس، والمعاهد، والجامعات خلال الزيارة الأربعينية، وشكل لجان أمنية؛ لمتابعة المتغيّبين، وبيان أسباب ذلك في محاولة منه لتحجيم هذه الشعيرة إلى أدنى حدودها، ومن الأساليب الدنيئة لمحاربة الزيارة الأربعينية إشاعة ظاهرة المسير إلى رأس السلطة الحاكمة في بغداد؛ لتكون هذه الظاهرة نداً لزيارة الاربعين، فبدأ أعوان النظام السير من مختلف المحافظات باتجاه العاصمة بغداد، وكان هناك إهمال إعلامي متعمد؛ لإخفاء كل ما يتعلق بهذه الشعيرة، وربما استحدث نظام البعث بعض الأحداث للتغطية على زخم هذه الشعيرة، وأعداد الزائرين.