د. عباس القريشي
على مر التاريخ، كانت قضية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء رمزًا للصمود، والإصرار على قيم الحق والعدالة، وتجسد ذلك التحدي في ظل حكم النظام البعثي بقيادة صدام حسين، الذي وصل تجبره أن يظهر على شاشة التلفاز ويتبجح قائلا: إن من يأتي ماشيا من البصرة إلى كربلاء لا يخلو إما أن يكون جاسوسا، أو مجنونا!
ومع هذا الوصفي اللإنساني تحداه الزائرون، واستمروا في مسيرهم، وتحولت هذه الشعيرة المقدسة (زيارة الأربعين) إلى معركة وجود، فكان جلاوزة حزب البعث يتربصون الزوار، ويُطاردونهم في جميع الطرقات التي يمشون فيها، ويزجون بهم في السجون، ويحكم عليهم بسنوات من السجن، ولم يكتفوا بذلك؛ بل كانوا يقمعون الزوار بوحشية، فالعديد منهم دُفنوا في مقابر جماعية، لا لشيء سوى أنهم أرادوا ممارسة حقهم الطبيعي في ممارسة حريتهم الدينية عبر إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام).
وصدام حسين كان يعتقد أن بيده السلطة المطلقة لإخماد هذه الشعيرة، وأنه قادر على فرض سطوته على الجميع، حتى على المؤمنين بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وعدالته. ولكنه كان مخطئًا. فالإيمان بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) أعمق وأقوى من أي طاغية، وكان جميع الزوار يعتقدون بزوال سلطة البعث وجلاوزته، وستعود المواكب ومجالس العزاء وملايين الزائرين، وليعلم المقبور صدام حسين أن عدد الزائرين تخطى الواحد والعشرين مليون ونصف المليون، ويمارسون طقوسهم من دون خوف أو وجل.
وما يُثير الدهشة هو أن العسكر والأجهزة الأمنية الذين كانوا في الماضي يطاردون الزوار، ويمنعونهم من الوصول إلى مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، باتوا اليوم حراسًا لهذه الشعيرة، وخدامًا لها. يقفون على الطرقات لحماية هذه المسيرة العظيمة، ويُؤمِّنون الطريق، ويقدمون الخدمة للزوار الذين كانوا بالأمس مضطهدين، وأصبح الزائرون يمارسون حريتهم الدينية بكل اعتزاز وفخر، وأنت يا صدام لم تحصل على شيء سوى الخزي والعار في الدنيا، والعذاب المهين في الآخرة.
هذه هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى صدام: الشعب، الذي حاولت كسره وقمعه، لم ينسَ، ولم يتراجع، بل عاد اليوم أقوى من أي وقت مضى، يمارس حريته الدينية، ويمشي بالملايين نحو الإمام الحسين (عليه السلام). أما أنت وسلطتك، فصرتما مجرد صفحة مظلمة في تاريخ العراق، تُذكر فقط لتكون عبرة لمن يعتبر