د. عباس القريشي
إبّان حكم نظام البعث في العراق وهيمنته على السلطة، كانت الحرية الدينية هدفًا للقمع الممنهج، خاصة فيما يتعلق بممارسة الطقوس الشيعية. كانت زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، واحدة من أهم المظاهر الدينية التي تعرضت لانتهاكات جسيمة، إذ استخدم النظام كل الوسائل المتاحة لقمع هذا الطقوس.
– منع الزيارة مشياً واتهام الزوار بالتجسس.
كان تقليد المشي إلى كربلاء خلال زيارة الأربعينية يُعد تحديًا مباشرًا للنظام، الذي كان يعدّه تهديدًا لسلطته؛ ولذلك فرض النظام حظرًا على هذه المسيرة، متهماً المشاركين فيها بالتجسس لصالح قوى خارجية، كانت هذه الاتهامات وسيلة لشرعنة القمع الذي تمارسه السلطة، وإعطاء ذريعة لاعتقال المئات من الزوار.
– منع السواق من نقل الزوار ومصادرة أشرطة المحاضرات الدينية.
لم يكن يسمح للسائقين بنقل الزوار إلى كربلاء، تحت طائلة الاعتقال ومصادرة مركباتهم، وصادرت السلطات أشرطة المحاضرات الدينية التي كانت تُوزع خلال هذه المدة، التي كانت تُعدّ أدوات تحريضية من وجهة نظر النظام، كانت هذه الأشرطة تتناول قضايا تتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام)، ومعركة كربلاء، التي كانت تعد مصدر إلهام للمقاومة ضد الظلم والطغيان.
– اعتقال الزوار والحكم عليهم بالسجن
لم يكن الاعتقال يقتصر على الطريق المؤدي إلى كربلاء فقط، بل كان يُحكم على العديد من الزوار بالسجن بعد اعتقالهم، هؤلاء الذين يصرون على أداء شعائرهم الدينية كانوا يتعرضون لمحاكمات سريعة وغير عادلة، تُصدر فيها أحكام بالسجن لمدد طويلة، في محاولة لكسر إرادتهم، وردع الآخرين عن المشاركة في هذه الشعائر.
– نصب السيطرات لمطاردة الزوار
كان النظام يقوم بنصب السيطرات على كافة الطرق المؤدية إلى كربلاء، إذ كانت هذه السيطرات تُستخدم لاعتقال الزوار، ومصادرة ممتلكاتهم. واستخدمت هذه السيطرات كمصائد للإيقاع بالزوار، وحرمانهم من الوصول إلى الضريح؛ مما يظهر مدى القسوة والتضييق الذي مارسته السلطات ضد حرية ممارسة الشعائر الدينية.
– مضايقة الزوار داخل الضريح ومنع رفع الصوت بالصلاة على النبي
لم تتوقف المضايقات عند منع الوصول إلى كربلاء فحسب، بل حتى داخل الضريح كان الزوار يتعرضون للمضايقة. كان يُمنع عليهم رفع أصواتهم بالصلاة على النبي وآله، إذ كانت السلطات تعد ذلك نوعًا من التحريض. كانت هذه المضايقات تهدف إلى تقليص الحماس الديني، وتقييد ممارسة الشعائر داخل الضريح، في محاولة لكبح أي نوع من التعبير الديني العلني.
الخلاصة
تمثل هذه الإجراءات القمعية جزءًا من السياسة الشاملة لنظام البعث في السيطرة على الحياة الدينية في العراق. من خلال منع الزوار من ممارسة شعائرهم، واعتقالهم، ومضايقتهم حتى داخل أقدس الأماكن، كشف النظام عن ازدرائه الصارخ لحقوق الإنسان والحريات الدينية. هذه الانتهاكات تبقى جزءًا من الذاكرة الجماعية للشعب العراقي، كأمثلة على القمع الذي عاناه في ظل حكم البعث.