ataba_head
banarlogo

الاجرام بصيغته القانونية 5 قرارات حزب البعث المتطرفة في ترحيل الكرد الفيليين

د. رائد عبيس
الكرد الفيليون هم مسلمون شيعة، ينحدرون من مناطق مختلفة، مثل: السعدية، وجلولاء، ومندلي, وزرباطية، بدرة، والشيخ سعد، وعلي الغربي، والحي، والنعمانية، وعلي الشرقي، حتى أطراف البصرة في شريط الأراضي المتاخمة لإيران، ويسكن منهم في إيران ايضاً، على الحدود المتاخمة للعراق، استقر الفيليون في بغداد قبل قرنين على الأقل من قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1920.
وبعد قيام الدولة العراقية لم تُمنح الجنسية العراقية للغالبية منهم، ولم تعترف بهم الدولة العراقية على أنهم مواطنون عراقيون , لحين اصدار قرارات الترحيل بحقهم من عام 1969 – 1994، إلى جانب سياسة تعريب المحافظات الكردية التي أدت إلى ترحيل مئات الآلاف من الأكراد الشيعة الفيليين، واستبدالهم بالآلاف من العرب السنة في العراق، محاولة، لتغيير نسبة الأغلبية الشيعية في العراق, وهذا جزء من سياسية البعث المتطرفة الطائفية ، والعنصرية ، يمكن تقدير نسبة الأكراد الفيليين في العراق في ذلك الوقت، ما يقارب من 7- 10% من سكان البلاد، قبل عمليات الترحيل.[1]
تم ترحيل مئات الآلاف منهم إلى إيران على شكل موجات متتالية، بعد سحب جنسيتهم؛ بحجة أن نسبهم فارسي، واعتقل ما بين (7000 إلى 10000) شخص مع عائلاتهم، واحتجازهم كرهائن في معسكرات الاعتقال في (الحلة، ونقرة السلمان)، وبلغت نسبة المرحلين منهم إلى إيران ما بين (50 إلى 60 %) عام 1986، في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، بعد أن كانوا يُستخدمون لإزالة الألغام من أمام طرق الجيش العراقي، أو يُستعملون كعينات لإجراء تجارب على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وتعرض آخرون للهجوم على أيدي العصابات عندما عبروا الحدود، والنسبة المتبقية منهم هاجرت إلى أوروبا، أو إلى الولايات المتحدة.
فقد صاحبت عمليات الترحيل، وبالخصوص في عام 1980 حالات الاختفاء القسري، وسوء المعاملة، ومصادرة جميع الممتلكات، وتعرضهم لظروف قاسية ومروعة، أدت إلى هلاك عائلات بأكملها. تروي كثير من النساء اللواتي فقدنَ أزواجهن: “قد تم ترحيلنا إلى إيران عام 1980، والبعثيون صادروا جميع ممتلكاتنا، وقالوا لنا: إنكم من أصول إيرانية، وتم الاستحواذ على منازلنا من قبل البعثيين، على الرغم من أننا عراقيون، ما الحق الذي مكنهم من ذلك؟ وما القانون الذي سمح لهم بذلك؟ قبل أن نصل إلى الحدود، أخذوا جميع أوراقنا الثبوتية، وماتت امرأة حامل من عائلتنا على هذه الحدود” .[2]
شهادة امرأة من خانقين، تقول: “قام حزب البعث بترحيل عائلتي، وعائلة شقيقي؛ لأننا كنا أكرادًا، كنا تعيش في أحد مخيمات النازحين في كردستان العراق، ومن ثم تم ترحيلها إلى إيران عام 1980، واحدة منا فَقدت أبناءها في العام نفسه، ولديها اثنان من أولادها، تم ترحيلهم إلى إيران …”.
وتكمل هذه المرأة شهادتها بالقول: “أعرف أكثر من (1000) عائلة كردية واجهت المصير نفسه، لكن معظمهم بقي في إيران؛ لمحاولة الحفاظ على أعمالهم، بينما آخرون بقوا يعيشون في خيام النازحين في مندلي، وبدرة وجصان، وزرباطية، ومعسكر الكوت … وماذا يمكننا أن نأخذ معنا الساعة 1:30 صباحا؟ طفلي عمره (6) أشهر كاد أن يموت؛ لأننا لم يكن لدينا حليب ولا طعام. بقينا (21) يومًا بجوار الحدود؛ وكان هناك أكثر من (10000) منا؛ لأن الإيرانيين لم يتمكنوا حينها من تنظيم استقبال هذه الاعداد الوافدة “.
وتروي امرأة أخرى: ” لم يأت أحد ليخبرنا بأن علينا الرحيل، اعتقلونا عند الساعة الواحدة صباحًا، وذات ليلة أخذوا عائلة، وفي الليلة الأخرى أخذوا عائلة أخرى. كان الجو باردًا في السجن، ولم يكن هناك ماء، ولا مكان للنوم، ولا يوجد مراحيض، بالملابس نشعل النار لتسخين الماء؛ لنغسل أنفسنا، ومرض الأطفال؛ بسبب هذا الحال، في البداية أخذوا عائلة بأكملها معصوبة الأعين إلى الكاظمية في بغداد، كان الأطفال خائفين جدًا لدرجة أنهم يتبولون ويتبرزون على أجسادهم، أنا شخصياً فقدت إحدى عيني في السجن، كانت هناك (3000) منا في (3) قاعات، جميعنا أكراد فيليون من العراق، لا يوجد مجال للنوم، وابنتي تنام في وضع غير أفقي. لقد كانت قذرة للغاية، وكان هناك كثير من الطفيليات “.
مات بعض كبار السن والأطفال، فضلاً عن وجود أشخاص كانوا يعانون من الربو، وأحضر الحراس شخصين مصابين بمرض عقلي؛ لإثارة المشاكل؛ وكانت امرأة تعاني من حروق شديدة، فقدت الحياة وتم نقلها الى خارج المستشفى، لقد صادروا ذهبنا، وأوراقنا الثبوتية جميعاً، كنا نملك منازل عدة، ومصانع، وسيارات، هم باعوا كل شيء، وأخذوا المال. لقد تركنا في جواندرود، بالقرب من الحدود، إذ مشينا لمدة (3) أيام, حتى وصلنا إلى أول مدينة إيرانية، خلال هذا في الرحلة، مات الناس من البرد، وداس آخرون الألغام الأرضية، وكان ذلك خلال الحرب العراقية الإيرانية، هاجمتنا العصابات، لأخذ أموالنا أو النساء، في فبراير 1982، تم وضعنا في معسكرات من قبل الإيرانيين في (جهروم)، بالقرب من أصفهان لمدة شهرين، ثم أطلقوا سراحنا، وبعدها حاولنا الذهاب إلى تركيا عبر كردستان”.[3]
لا يمكن اختصار هذه الجريمة التي شرعها صدام لنفسه عبر قرارات مجحفة وباطلة، بجزء من تلك الشهادات؛ لأن لكل منهم قصته وألمه وحزنه في ذلك الرحيل القسري الذي أقتلع وجودهم، وبدد كينونتهم التي تكونت من أرض العراق. وكأن صوت تلك المرأة التي أعتلى في آفاق الحدود العراقية الإيرانية, وهي تصيح أرجعونا إلى العراق أرجعونا إلى قريتنا، وإلى مدينتنا، وافعلوا بنا ما تشاءون احرقونا، أو أقتلونا، ولكن على أرضنا، أي تعلق هذا؟! وتشبث بأرض كانت قد تشكلت فيه هويتهم الوجودية الوجدانية والمادية، كل هذا الانتماء الوجداني الراسخ تقتلعه سياسة عنصرية بغيضة، كان يحملها شخص مجنون بأحقاده على أبناء وطنه!
[1]  ينظر: الإبادة الجماعية للكورد الفيليين في العراق:  رؤى ومقاربات فكرية إقليمية ودولية لمعالجة أوضاعهم بعد 2003. مركز حمورابي , ص  10.
[2]  ينظر: تقرير عن حقوق الإنسان في العراق / ديسمبر- كانون الأول , 2002.
[3]  ينظر: تقرير اللجنة الخاصة بحقوق الانسان في العراق , لسنة 1996, E/CN.4/1996/12, ص 4,فقرة.11.