أ.د. حسين الزيادي
تُعد قاعدة: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) من أهم مبادئ العدالة، وعنوان من عناوين الحرية، وهي ضمانة موجودة في كل دساتير العالم، وتعدُّ من أهم مبادئ حقوق الإنسان، وقد انطلقت هذه الفكرة في الفكر القانوني الحديث كمبدأ دستوري بعد أن نص عليها إعلان حقوق الإنسان، وأصبحت قاعدة دولية لا يمكن تجاهلها بعد أن نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 بالقول على أنه (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته قانوناً، بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات للدفاع عنه، ويتفرع من هذه القاعدة مبدأ: (أن الشك يفسر لصالح المتهم) و (الأصل بــراءة الذمة).
وقد نصت المادة (20) من الدستور العراقي المؤقت لسنة 1970 على )أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، وجعل جلسات المحاكم علنية في الأساس، والجلسات السرية، وحق الدفاع مقدس في كل مراحل التحقيق والمحاكمة، وللمواطن أن يدافع عن نفسه بالطريقة التي يراها، وفي حالة امتناع المتهم عن توكيل محام له، فعلى المحكمة أن تنتدب محامياً للدفاع عن المتهم( ، ولم يطبق هذا المبدأ على المتهمين في زمن البعث؛ لأسباب سياسية، أو طائفية، أو عرقية، إذ كان النظام المباد يعتبر )المتهم مجرماً حتى تثبت براءته( ، فمن لحظة الاعتقال يعامل على أساس كونه مجرماً تمارس ضده شتى أنواع التعذيب البدني، والنفسي، حتى يعترف بجرائم لم يرتكبها وأفعال لم يقترفها؛ تخلصاً من التعذيب الوحشي .
أما المحاكمة فتجرى في محكمة خاصة تدار من قبل موظفين تابعين للأجهزة الأمنية، لا يعرفون شيئاً عن إجراءات المحكمة العادلة، ولا ضمانات المتهم، ولا حقوق الإنسان، وعادة ما تكون جلسات المحاكم سرية، ولم نر، أو نسمع عن محاكمة علنية لمتهم لأسباب سياسية، أو طائفية، أو عرقية، وألغي حق الدفاع المقدس تماما، إذ يظل المتهم مجهول المصير، ويلقى في زنزانات مظلمة، وكثيرا ما تحدث إلينا الناجون من قمع النظام المباد عن سخرية هذه المحاكم بهم، إذ يتدخل أفراد قوى الأمن بصفة محامين يطالبون بإنزال أقسى العقوبات بحقهم.
إن فلسفة علانية المحكمة تهدف إلى جملة من الأمور؛ أبرزها إظهار الشفافية في الحكم؛ لأن المحاكمة تكون أمام أعين الجميع، فضلاً عن اكساب ثقة الآخرين بالقضاء، وتحقيق الهيبة والوقار للقضاء، وهي أمور تتفق تماماً مع ضمانات التقاضي، وقانون المرافعات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية.
ولتأكيد هذه الأهمية فقد أقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مبدأ علانية جلسات المحاكمة؛ بقوله: كلّ شخص مُتّهم بجريمة يُعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه، ونصت المادة الخامسة من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979 على هذا المبدأ بقولها: ( جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية محافظة على النظام العام، أو مراعاة للآداب، أو حرمة الأسرة، ويتلى منطوق الحكم علناً).
أما النص الدولي الذي كان نافذاً في مواجهة نظام البعث؛ فهو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي نص على جملة من الضمانات؛ لتحقيق المحاكمة العادلة، وتحديداً المادة (14)، من بين هذه الضمانات:
- حق كل فرد في اللجوء إلى القضاء.
- المتهم يُعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته.
- حق الفرد في إعلامه بالتهم الموجهة إليه.
- حق الشخص في الحصول على الوقت والتسهيلات الكافية؛ لإعداد دفاعه.
- حق الشخص في الدفاع عن نفسه، أو بواسطة محامٍ من اختياره.
- حق الشخص في مواجهة الشهود الذين يشهدون ضده.
- حق الشخص في محاكمة علنية وسريعة.
- حق الشخص في عدم إكراهه على الشهادة ضد نفسه، أو على الاعتراف بالذنب.
نصت المادة (22) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة1969 على :أنه يحل السجن المؤبد محل الإعدام في الجرائم السياسية، ونصت المادة (79) من القانون المذكور على منع الحكم بالإعدام على من كان عمره وقت ارتكاب )الجريمة( أقل من عشرين سنة، سواء أ كانت سياسية، أم غير سياسية، لكن الذي حصل هو انتهاك سافر للقانون، فجميع ضحايا المقابر الجماعية، والإعدام التعسفي؛ كانت لأسباب سياسية، والأحداث كانوا يؤلفون نسبة كبيرة منهم.
وتمادى نظام البعث في انتهاك القانون أبعد من هذا، إذ نصت المادة (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23) ) لسنة 1971 على أن: لأقارب المحكوم عليه بالإعدام أن يزوروه في اليوم السابق على اليوم المعين لتنفيذ عقوبة الإعدام، وعلى إدارة السجن إخبارهم بذلك، وتم إعدام مئات الآلاف من دون علم ذويهم، بل ظل خبر إعدامهم مجهولاً لذويهم.