د.محمد جبار الكريزي

     في أيار عام 2024م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً برعاية ألمانيا ورواندا، بعدّ يوم (11) تموز اليوم الدولي للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت في سريبرينتسا في عام 1995م، وإحياء ذكراها.

     أودت الحرب التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا السابقة بحياة أكثر من 100،000 شخص في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995م، معظمهم من المسلمين البوسنيين، وشردت أكثر من مليوني شخص آخرين.

     في تموز عام 1995م، اجتاح الجيش الصربي البوسنة مدينة سريبرينيتسا. التي أُعلنت سابقاً منطقة آمنة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (819) ـ وقام بقتل الآلاف من الرجال والمراهقين بوحشية. ونقل ما تبقى من السكان المسلمين البوسنيين الموجودين في سريبرينيتسا – حوالي 25.000 امرأة، وطفل، ومسن – قسراً إلى خارج المدينة.

     مع ملاحظة أن الجريمة وقعت في المنطقة المحمية، وبالقرب من الكتيبة الهولندية التي لم تحرك ساكناً لحماية الضحايا. وإن اللجنة الدولية للمفقودين قد نجحت في تحديد هوية (٨١٠٠) ضحية في سربرنيتسا، منهم (٧٠٠٠) هم ضحايا جريمة الإبادة.

     ولم يبد الجنود الهولنديون المتمركزون في سربرنيتسا آنذاك ضمن قوات الأمم المتحدة أي مقاومة، وقاموا بتسليم الآلاف من البوسنيين إلى القوات الصربية، ووُصفت هذه الإبادة الجماعية بأنها أبشع جريمة حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

    وقدمت هولندا اعتذاراً لعائلات ضحايا الإبادة في البوسنة والهرسك، في الذكرى (27) لمذبحة سربرنيتسا، معترفة بإخفاقها في منع الفظائع التي حدثت. وقالت وزيرة الدفاع الهولندية كاجسا أولونغرن – في أثناء مشاركتها في إحياء ذكرى المذبحة في بوتوتشاري (شرقي البوسنة) – إن المجتمع الدولي فشل في حماية أهالي سربرنيتسا، وإن بلادها تتحمل جزءاً من المسؤولية السياسية لذلك، على وفق تعبيرها.

    وقد اعترفت محكمة العدل الدولية (ICJ)، والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) بالمجزرة الواقعة على المسلمين البوسنيين في سربرنيتسا التي ارتكبتها قوات جمهورية صرب البوسنة بوصفها عملا من أعمال الإبادة الجماعية.

    خلّفت الإبادة الجماعية جروحاً عاطفية عميقة في نفوس الناجين، وأسر الضحايا، والمجتمع البوسني، والهرسك بشكل عام؛ مما خلق عقبات مستمرة أمام المصالحة بين المجموعات العرقية المختلفة في البلاد.

     وقد أعربت المستشارة الخاصة للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية أليس وايريمو نديتو، عن قلقها بإزاء الحوادث المستمرة من التحريف المتعلقة بجرائم الفظائع التي ارتكبت خلال الصراع بين عامي 1992 و1995م، بما في ذلك إنكار الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا، وتمجيد مجرمي الحرب المدانين.

     وطلبت الجمعية من الأمين العام إنشاء برنامج توعية حول الإبادة الجماعية في سربرنيتسا استعدادًا للذكرى الثلاثين.

     وأدانت أي إنكار للإبادة الجماعية في سربرنيتسا كحدث تاريخي، ودعت الدول الأعضاء إلى الحفاظ على الحقائق الثابتة، بما في ذلك أنظمتها التعليمية؛ لمنع الإنكار، والتحريف، وأي وقوع للإبادة الجماعية في المستقبل.

كذلك وثقت هذه الإبادة من قبل الباحثين العراقيين، وكالاتي:

1. موقف بريطانيا من أَزمة البوسنة والهرسك (1908-1909)

إِبراهيم حميد إِبراهيم، نيبار بديع عبدالعزيز، آداب الرافدين، 2021م، المجلد 51، العدد 86.1، الصفحات 281-338.

2. دور المملكة العربية السعودية في حرب البوسنة والهرسك (1992-1995م)

 يوسف سامي فرحان الدليمي، الدراسات تاريخية، 2021، المجلد، العدد 53، الصفحات 295-319.

3. موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حرب البوسنة (١٩٩٢-١٩٩٥(

   حسن عبد علي كاظم الطائي، مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، 2024م، المجلد 14، العدد، الصفحات 1687-1704.

4. موقف منظمة المؤتمر الإسلامي من الحرب في جمهورية البوسنة والهرسك 1992-1995.

د. شاخه وان عبدالله صابر، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، 2018، المجلد 13، العدد 2، الصفحات 181-218.

5. موقف الإمارات العربية المتحدة من أزمة البوسنة والهرسك1992-1995م،

نايف قاسم أحمد، صدام خليفة عبيد حسين العبيدي، مجلة جامعة تكريت، للعلوم الإنسانية، 2023، المجلد 30، العدد (7) الجزء(2)، الصفحات 293-313.

6. مسلمو البلقان ومحاولات محو الهوية، خليل مخيف لفته، مجلة دراسات دولية، 2005، العدد 28، الصفحات 47-60.

7. The Impact of Political and Legal Factors in Promoting Peaceful Coexistence and Building Peace: Iraq as a Model

       سعد نصيف جاسم مجلة الآداب، 2023، المجلد، العدد وقائع مؤتمر بناء السلام ومنع الإبادة الجماعية الجزء الثاني، الصفحات 535-554

8. علي عزت بیغوفتش دراسة تاريخية في دوره الساسي والفكري (1925-2000(

شاخوان عبدالله صابر، آداب الرافدين، 2020م، المجلد 50، العدد 83، الصفحات 204-261.

9. التطورات السياسية الداخلية في يوغسلافيا (آيار1980- كانون الثاني 1992)

       أ.م.د. حسين حماد عبد، أ.م.د. إياد طارق خضير، مجلة كلية المعارف الجامعة، 2020، المجلد 30، العدد 1، الصفحات 610-639.

10. الحرب الكرواتــية – الصربيــــة واتفاقيـــة دايتـــون 1995

       حسن عبد علي الطائي، هديل عباس حمد الجنابي، مجلة مركز بابل، للدراسات الإنسانية، 2022، المجلد 12، العدد 2، الصفحات 513-530.

11. تأثير وسائل الإعلام في صنع القرار السياسي الخارجي الأمريكي (الـCNN أنموذجا(.

     أ.م.د. حسين مزهر خلف، قضايا سياسية، 2023، المجلد، العدد 75، الصفحات 76-108.

     بناءً على ما تقدم ذكره، أغلب الدول التي وقعت فيها مجازر، وحروب، وإبادة جماعية في أوروبا وأفريقيا تم توثيق ضحاياهم، ومأساتهم، بقرارات أممية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى سبيل المثال:

• اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي /25 آذار.

• اليوم الدولي للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994 ضد التوتسي في رواندا / 7 نيسان.

• اليوم الدولي لإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبيل / 26 نيسان.

• اليوم الدولي للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت في سريبرينتسا في عام 1995 وإحياء ذكراها / 11 تموز.

     وهنا نتساءل، لماذا لم توثق المؤسسات الدبلوماسية العراقية المقابر الجماعية في العراق في مقررات الأمم المتحدة؟ ويكون اليوم الدولي للمقابر الجماعية في العراق، كذلك نقترح على الجهات المعنية الحكومية، وغير الحكومية إقامة برامج تثقيفية عن ضحايا المقابر الجماعية، والتعريف بهم، وبمأساتهم، واللقاء بعوائلهم، وإجراء المقابلات معهم؛ لتوثيق مسارات حياتهم، والعمل على منع تكرار مثل هكذا جرائم، كذلك التواصل مع المؤسسات التعليمية بالإيعاز إلى باحثيهم في الكتابة عن المقابر الجماعية في العراق، وبالخصوص الأقسام العلمية في الجامعات: ( قسم التاريخ، وقسم علم الاجتماع، وقسم علم النفس، وأقسام كليات العلوم السياسية، وأقسام كليات الإعلام، وأقسام كليات الفنون الجميلية)؛ من أجل تخليد ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية التي وقعت في العراق، فضلاً عن إقامة أنشطة مناسبة للتثقيف، والتوعية العامة.