ataba_head
banarlogo

البعث ومحاربة الشعائر الحسينية – الأسباب والتبعات القانونية

أ.د. حسين الزيادي
تُعد الشعائر الدينية مُكملة ومُتممة لحرية العقيدة؛ لذلك لا يكفي أن يُكفل للإنسان الحق في حرية العقيدة، بل لا بدّ من كفالة حقه في حرية ممارسة شعائره الدينية، ومن هنا فقد تعددت الحماية الدولية والدستورية لممارسة الشعائر الدينية، وقد أدرك نظام البعث مبكراً أن فلسفة النهضة الحسينية تقوم أساساً على الدعوة لاستنهاض الشعوب المضطهدة، والوقوف بوجه الحاكم الظالم – من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله –؛ لذلك فالشعائر الحسينية بحسب رؤية نظام البعث تمثل خطراً يُهدد وجوده؛ لأنها دعوة للعدالة الاجتماعية، ورمز للتحرّر، ونبض إنساني لإثبات قيم الحريّة والاصلاح، مستنيرة بقول الإمام الحسين (عليه السلام)، في تلك الواقعة : إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لذلك قام نظام البعث بجملة من الأعمال التي تهدف لتضييق إقامة تلك الشعائر، والتنكيل بشخوصها، واستخدام القوة المسلحة والقمع في محاولات لطمس الشعائر الحسينية، ومنها:
  • يدخل نظام البعث بمؤسساته الأمنية كافة مرحلة الاستعداد والتهيؤ طيلة شهريّ محرم وصفر، وتُمنع إجازات منتسبيه، وتعلن حالة الإنذار القصوى التي تبلغ ذروتها يوم العاشر من عاشوراء، فضلاً عن تعزيز الكمائن والسيطرات والدوريات.
  • محاربة خطباء المنبر الحسيني، ولاسيما الفاعلون منهم، فاغتيل المئات منهم، ولم ينج من القتل إلا من هاجر خفية، كالشيخ الدكتور أحمد الوائلي، والسيد جاسم الطويرجاوي، والشيخ باقر المقدسي (رحمهم الله).
  • عدم السماح للخطباء بممارسة خطابتهم في مجالس العزاء ما لم تكن لديهم إجازة قراءة من المؤسسات الأمنية، ومنعهم من استخدام مكبرات الصوت، ويمنع عليهم التطرق لأي جانب سياسي، أو اجتماعي، وقد زُرعت مجالس العزاء بالعناصر الأمنية والمخابراتية.
  • المراقبة الشديدة لأماكن إقامة العزاء، واستقدام العناصر النشطة من خَدمة المواكب، والقراء، والرواديد لمديريات الأمن، والتحقيق معهم، وأخذ التعهدات منهم.
  • اشترط نظام البعث حصول الموافقة الأمنية المسبقة؛ لإقامة أي شعيرة حسينية، وبشروط ومعايير معقدة جدا.
  • تخصيص مكاتب للأمن، وأخرى للمخابرات داخل العتبات المقدسة؛ لرصد حركة الزائرين، وجمع المعلومات عنهم.
  • منع تشكيل المواكب والهيئات الحسينية وحظرها.
  • التشديد على اصحاب وسائل النقل التي تنقل الزائرين إلى كربلاء، وعدم السماح لهم بتبديل خطوطهم خلال شهريّ محرم وصفر.
  • منع إعداد الطعام وطهيه إلا في البيوت.
  • منع بيع أشرطة التسجيل الحسينية من قبل أصحاب التسجيلات التي غالباً ما تتعرض للمراقبة، والمداهمة المفاجئة، فضلاً عن فحص أشرطة الكاسيت في المركبات.
تعدّ تلك الأعمال، وغيرها كثير انتهاكاً صارخاً للأعراف والمواثيق الدولية، فحماية حرية ممارسة الشعائر الدينية تتنوع بين الحماية الدولية الواردة في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، والحماية الواردة في الدساتير الداخلية للدول، والتشريعات الجنائية، وقد وردت كثير من النصوص القانونية التي أكدت حماية حرية ممارسة الشعائر الدينية، ويأتي على رأس تلك المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أكد حرية ممارسة الشعائر الدينية سواء كان ذلك بصورة منفردة أم ضمن جماعة، إذ جاء في المادة (18) منه أن: لكل إنسان الحق في حرية التفكير، والضمير، والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته، أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم، والممارسة، أو في إقامة الشعائر ومراعاتها، سواء كان ذلك سرا أم جماعة.
أما المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فصرّح بأنه: لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات أثنية، أو دينية، أو لغوية، أن تحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم، وإقامة شعائره، ولم يقتصر الأمر في إقرار حرية ممارسة الشعائر الدينية في المواثيق الدولية السابق الإشارة إليها، وتبعته في ذلك الوثائق الإقليمية لما تمثله هذه الحرية من أهمية كبيرة، وقد تبنت كثير من الاتفاقات الإقليمية تلك الحرية، وحرصت على كفالة ممارستها، ومنها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام (1950) في المادة  التاسعة، وكذلك الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عام (1969).
أما على النطاق المحلي؛ فقد تصدى قانون العقوبات العراقي رقم (111 لسنة 1969) المعدل، لحماية كل ما يمس الشعور الديني؛ لذا فإن التضييق على الشعائر الحسينية يُعد جريمة على وفق قانون العقوبات العراقي: المادة (372 ب)، والمتعلقة بالتشويش على إقامة الشعائر الدينية، أو تعطيلها، وجاء في تلك المادة فقرة (ج) النص على الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات لكل من خرب، أو شوش شعائر لطائفة دينية، أو تلف، أو شوه، أو دنس بناء معدا للعبادة.
    وتعد تصرفات النظام البعثي مخالفة صريحة للدساتير الوطنية التي لم يعرها النظام أي أهمية، ومنها  دستور العراق (1970) الذي نص في المادة الخامسة والعشرين على أن : حرية الأديان، والمعتقدات، وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، وفي المادة السادسة والعشرين من الدستور نفسه: يكفل الدستور حرية الرأي، والنشر، والاجتماع والتظاهر، وتأسيس الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات، وتعدّ تصرفات النظام خرقاً واضحاً لدستور (1968) الذي نص في كثير من فقراته على حماية الدين، والمعتقد، وإقامة الشعائر الدينية.