banarlogo

اليوم الدولي (26 حزيران) لمساندة ضحايا التعذيب قصص يرويها ضحايا إجرام نظام البعث في العراق (الحلقة الأولى)

بقلم الدكتور . عباس القريشي
يحتفل العالم في السادس والعشرين من حزيران / يونيو من كل عام باليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب والقسوة التي تمارسها السلطات الحكومية ضد أبناء شعوبها، ويهدف الاحتفال بهذا اليوم إلى مكافحة هذه الجريمة، ودعم الأفراد الضحايا الذين عانوا من التعذيب والقسوة إبان مدة اعتقالهم ومكوثهم في سجون السلطات، وأيضاً تذكير المجتمع الدولي بضرورة إنهاء هذه الممارسة اللاإنسانية المنافية لحقوق الإنسان، ونحن في هذه المناسبة نستذكر قصصاً مؤلمة لضحايا إجرام حزب البعث، وأنظمته القمعية في العراق، ممن رووا معاناتهم الكبيرة خلال حقبة حكم الهارب المقبور صدام حسين، تحت مسمى التعذيب في نظام البعث إبَّان هيمنة حزب البعث على السلطة في العراق منذ عام 1968م، ولغاية انتهائها واختتامها بهرب البعثيين جميعا من أرض المعركة، وترك الدفاع عن العراق، وتخليهم عن الشعب العراقي، ووضعه تحت هيمنة قوات الاحتلال.
كان النظام البعثي يستعمل التعذيب وسيلة رئيسة لقمع المعارضين، والمشتبه بهم، فالسجناء والمختفون قسرياً تعرضوا لأشكال مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، بدءاً من الصعق الكهربائي، والضرب المبرح، والحبس الانفرادي، والغرف الحمراء والسوداء، والافتراس بالكلاب، والنمور الجائعة، والثرم بالآلات، والإذابة بالتيزاب، وكسر الأيدي، وقطع الأعضاء، والاغتصاب، وقائمة الأساليب تتخطى الـ (300) أسلوب ووسيلة للتعذيب، ونهدف في استعراض هذه القصص إلى إلقاء الضوء على بعض هذه التجارب الإنسانية الأليمة التي عانى منها الضحايا، ولا ريب أنَّ القصصَ كثيرةٌ جدا؛ لكثرة الضحايا، ونحن سنذكر بعضا منها على شكل سلسلة مقالات في كل مقال نستعرض عددا من الضحايا وقصصهم، وهذه المقالة الأولى نذكر قصتين منهم:
1. قصة عطور الموسوي
عطور، طالبة جامعية في بغداد، كانت من بين الذين اعتقلوا بتهمة الانتماء لحزب الدعوة بعد اعتقال شقيقيها. تذكر عطور في كتابها (مذكرات طالبة جامعية) في أحد الأيام، اقتحمت القوات الأمنية منزلنا بطريقة تخلو من الآداب والأخلاق العربية الأصيلة جميعاً، ولم يكن في الدار سوى أمي وأنا، وطلبوا  مني مرافقتهم إلى مقر الأمن، وبقيت أمي تماطلهم؛ لأجل أن أضع على رأسي حجابي، وأرتدي ملابس تقيني من البرد القارص، ورافقتهم؛ فانطلقوا بسياراتهم بطريقة أدخلت الرعب على قلبي حتى وصلنا إلى مركز اعتقال سري هناك.
تعرضت عطور إلى أساليب تحقيق نفسية قاسية جداً، بدءاً من التهديد والوعيد، ولم يؤخذ بنظرهم أنَّها فتاة شابة، لم يسبق لها أن دخلت مركزاً للشرطة، فكيف بها في مديرية الأمن ومعتقلاتها السرية؟!
ذكرت أنَّها كانت تسمع صرخات المعذبين، وآنين المعتقلات؛ فالمكان يضج بالمعتقلين والمعتقلات، ولا تتمكن من نسيان ضرب المتهمين بالهراوات الخشبية، والآلات الحديدية، والصعقات الكهربائية المتكررة؛ ليُنتزع منهم الاعتراف، وإن لم يكن حقيقيا.
بعدها أدخلوني لغرفة مظلمة خالية من منافذ الهواء، جدرانها مغطاة بالعازل (فلين)، وليس فيها سوى باب يطل على ممر ضيق، كانت مكتظة بالسجينات، تتراوح أعمارهن بين (17-33) سنة، وكنت لا أعرف نهاري من ليلي.. وبين ساعة وأُخرى تؤخذ إحدى المعتقلات، ويؤتى بها مغشيا عليها؛ لشدة التعذيب، وقسوة التحقيق. فكان قلع الأظافر، والجلد بالكيبلات، والضرب بالهراوات أبسط أساليب التعذيب لنا.
وكان الإجبار بالإمضاء على الاعترافات؛ نتيجة التعذيب بالصعق الكهربائي بشكل متكرر، والضرب المبرح حتى فقدان الوعي؛ إذ لم يكن خيار آخر للبقاء على قيد الحياة.
2. قصة علي الخالصي
علي شاب من محافظة ديالى أُعتقل في عام 1982م، صّب البعثيون وجلاوزة الأمن جام غضبهم عليه، فكانت صرخاته، وآهاته من جراء التعذيب الوحشي تصل إلى السجناء جميعا!، كانوا يُعلقونه عبر ربط ذراعيه إلى السقف حتى الصباح، ويجتمع حوله جلاوزة الأمن؛ وهم سكارى، يستأنسون بتعذيبه، ضربا بالكيبلات، والعصي الخشبية الغليظة (توثية)، حتى يغمى عليه مرات عدة، وفي الصباح يلتجئون إلى الكهرباء يعذبونه بها، فتتشحرج الكلمات في فمه.. ويتلعثم لسانه، ويستفيقونه كلما أُغميه عليه.. ويعملون جاهدين لانتزاع الاعتراف منه قسراً.. فلم يسمعوا منه سوى كلمة يا الله ..يا ربي.. يا إلهي.. تلك الكلمات التي تستشيط الجلادين غضباً..ولم يجد الجلادون سبيلا لصبره، وتحمله سوى أَّنهم يرمونه من أعلى سطح البناية.. ثم يدخلونه، السجن وآنينه يملأ الجدران.. والوجع جلي في صرخاته، بعد يومين رحل عن هذه الدنيا.. بجسد أنهكته السياط، وصعقات الكهرباء، مكسر الأضلاع، مهشم العظام، مفضوخ الرأس.. مظلوما محتسبا.
فمناهضة التعذيب والاحتفال باليوم الدولي؛ لمساندة ضحايا التعذيب في غاية الأهمية، فهو بمثابة فرصة لتسليط الضوء على هذه القصص المؤلمة، والعمل على منع تكرارها. ويجب أن يعمل المجتمع الدولي والمحلي على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتقديم الجناة إلى العدالة، لنضمن عدم تكرار هذه الممارسات اللاإنسانية.
وستبقى قصص ضحايا التعذيب في العراق شهادة على قوة الإرادة لدى العراقي في مواجهة الظلم من أجل بناء مستقبل أكثر عدالة وإنسانية للجميع.