بعد مرور عشر سنوات على جريمة (سبايكر) تغيّرت صورة العراق، وارتسمت معالم جديدة له، فأصبح قِبلة للتفاني والتضحية، والتآخي، ورصّ الصف الوطني، بسنّته وشيعته، وأكراده وعربه؛ إذ أقدم العراقيون بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي بالدفاع عن المدن العراقية المدنّسة بأدران الخونة من تنظيم داعش، ومن تعاون معهم، وأرجعوا الممتلكات والبيوت المنتهبة إلى أصحابها، وحافظوا على كرامة أهلها وأرواحهم، بعد أن عاث تنظيم داعش التكفيري ـ الذي لا يمثل إلا نفسه بتلك المدن فسادًا، وتخريبًا، وإجرامًا، وانتهاكًا.
فقد أُريد لجريمة (سبايكر) أن تقلب نظام الحكم، وأن تنشب بسببها حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، وأن لا يسلم من نيرانها وشرورها أحد، والسيطرة على أرض العراق ومقدّراته، ونشر الفكر الظلامي التكفير الهمجي، بعد أن تمّ الإيقاع بمجموعة كبيرة من الطلبة المتدربين في صفوف القوات الأمنية في معسكر سبايكر، واقتياد هؤلاء الجنود الأبرياء المندفعين لحماية وطنهم إلى قصور صدام الرئاسية، ومن ثم قتلهم والتمثيل بهم على شكل دفعات، وعلى مدى أربعة أيّام مستمرة مخضبة بالدم؛ لكي يتشفى بدماء هؤلاء المخلصين الأبطال لوطنهم حقدُ هؤلاء الموتورين على ضياع الحكم من براثن البعث بعدما أسقط ما بأيديهم من قوّة، وتسلط، وقمع، واستعلاء، وعنجهية، بظلّ نظام الحكم الصدامي، الذي كان يوفر لهم كلّ أسباب التعالي والفوقية على عموم الشعب العراقي الصابر. وقد اكتشف حجم الجريمة، وبشاعتها، وخستها بعد تحرير تكريت عام (2015م)، إذ بدأت معالم الصورة تتوضّح، ليتم انتشال أكثر من 1300 جثة من المغدورين الأبرياء في (16) مقبرة جماعية، أو ما تم انتشاله من جثث من النهر، وأسهم الطب العدلي والعاملين في المجال الأنثروبولوجي، وفحص الحمض النووي لرفات الضحايا، وتحليله في الكشف عن بعض جزئيات الجريمة، وقد تشابهت في عدوانيتها وإجرامها بما كان يفعل صدام وأزلامه بالشعب العراقي في تلك المقابر الجماعية المكتشفة بعد سقوط نظام البعث القذر، فالانتفاضة الشعبانية الباسلة عام 1991م شاهدة على خسة هذه الزمرة، وقد أكد شهود عيان بأدلة دامغة، ما كانت تقوم به الشفلات من دفن للأحياء العزل بتلك الحفر المجهزة مسبقًا، في جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية، ولعلّ فندق (السلام) في النجف الأشرف خير رد على من يتغنّى بذلك الزمن الجميل، وأيامه القرمزية، من أيتام البعث وأبناء الرفيقات، تلك الأيام المعجونة بالدم، والقتل، والترهيب، والتعذيب، والقمع، والإعدامات.
والسؤال المهم هل يمكن أن يكون لجريمة (سبايكر) البشعة وجه مضي على الرغم من قبحها، ودناءتها، وخستها، وعارها، وتجرّدها من كلّ ما يمت للإنسانيّة وضميرها الحي بصلة؟ والجواب على ذلك بشيء من التحفظ، والاستحياء من الضحايا وعوائلهم بـ(نعم)، فقد أسفرت هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المرتبطة بسقوط الموصل من جرائم تقتيل وسبي نساء، واستيلاء على أموال، ونهب ممتلكات، وسرقة دوائر حكومية، والسطو على متاجر وشركات ومحال خاصة، وتدمير معالم تاريخية وأثرية وشواهد حضارية ماثلة في وجدان الشعب العراقي وضميره المحب للحياة والحضارة والإنسانية والثقافة والأدب، والتعدد، والتصاهر، والأخوة. على الرغم من كل هذا فقد أسفرت الجريمة على تشكيل الحشد الشعبي من عموم الشعب العراقي، الذي لبى نداء المرجعية بالجهاد الكفائي، وشحذ عن همته وتفانيه مساندًا للجيش والشرطة الاتحادية اللذين ازادا قوة وإرادة بفعل هذه المساندة، وبفعل قوة التحدي وصعوبته وخطره المحدق بالعراق. ونما الشعور الوطني المخلص والأصيل لدى الشعب والجهوزية والاستعداد والتفاني والتضحية من أجل حماية الوطن بجميع أراضيه وبجميع أطياف أبنائه وشعبه.
وعلى الرغم من حجم المأساة وشدة الألم، وشراسة الإجرام، ووحشية الإبادة والقتل؛ إذ أسفرت جريمة سبايكر وحدها عن (2157) شهيدًا متشحطًا بدمائه الزكية، مناصراً للعراق ماضيًا وحاضراً ومستقبلاً، إلا أن هذه الدماء الشريفة جعلت من العراق وجيشه وشعبه أكثر صلابة في مواجهة التحديات.
وبفضل هذه التضحيات الغالية تم القضاء على ثقافة إنتاج الإرهاب في العراق وتصديره للدول المجاورة، وإرغام تلك الوجوه الممسوخة لداعش، وسحقها بأقدام الأبطال المرابطين في ثغور العزة والإباء. فقد تمّ بهمتهم الباسلة قتل ما يقارب (75) ألف إرهابي في معارك التحرير، ليسطّر الشعب العراقي حشدا وجيشا وشرطة اتحادية أنصع ملاحم البطولات الموشّحة بالدماء والتضحية والمآثر الخالدة التي ستذكرها الأجيال، وقهر فلول العصابات أو (الشقاوات) الإجرامية التي لم تكن لتعبأ بأي قيمة إنسانية أو إسلامية، ودحر المشروع التكفيري في العراق بتأسيس دولة الخلافة الباطلة.