-كوثر العزاوي-
قال رسول الله “صلى الله عليه وآله”
{أشرف القتل قتل الشهداء}
نهج الفصاحة، ص٦٦٨
عندما نقرأ أو نتحدث عن الشهادة والشهيد، لم يتبادر إلى الأذهان سوى الشهداء من الرجال وعِظمِ شأنهم وفضل تضحياتهم ومكانتهم عند الله تعالى، وهذا ما لا يختلف فيه عاقلان، ولكن…! هل يَعلمُ وتعلمون أنّ على أرض العراق أعدادًا من الحُفَر والمقابر وقد انتشرت في بقاعٍ شتى ضمّت بين أطباقِ ثراها رفاتا لثلّة من النساء الحرائر بمختلف الأعمار، شهيدات العقيدة والرأي، شهيدات الولاء لنهج آل محمد “عليهم السلام” إذ كنَّ في الجهاد والدفاع بين طريقين مستقيمين كليهما يكمّل الآخر حسينيّ زينبيّ، وما بينهما نهج قدوة نساء العالمين وسيدة المضحّين والمدافعين عن بيضة الإسلام والمذهب وعن إمام زمانها!! أجل! حرائر العراق المغيّبات في حقبة البعث السفّاح في الثمانينيات وحتى عام (٢٠٠٠م) يوم شهدت حملات واسعة من الاعتقالات الأوساط عمومًا، وفي الوسط النسوي الجامعي خصوصًا، وذلك في عموم العراق حتى فاقت الأعداد حدّ التصوّر من حملة الشهادات ذوات الكفاءة والالتزام الديني، مظهرًا وجوهرّا، حيث الستر والحجاب، والفكر الجعفري العقائدي فمضى الآلاف من النساء بمختلف الأعمار في جو قمعيّ إرهابيّ، شهيدات صامدات بعد تعرضهنّ لأقسى صنوف التعذيب الذي لم يخطر حتى على بال المغول والتتار! وتغييبهنّ في دهاليز دوائر الرعب الصدامية، فلم يُعرَف لهنّ مصيرًا إلّا بعد سقوط النظام الدموي، فقد تمّ العثور على رفاتِ بعضهنّ في مقابر جماعية في مشاهد مهولة!!، والأعم الأغلب بقينَ مفقودات الأثر إلى يومنا هذا!! وإنّ هذه الشريحة أغلبهنّ ممّن حملنَ مشعل مقارعة البعث العميل، عُرِفنَ بتميّزهنّ الفكري الوقّاد من حيث العلم والثقافة والبصيرة والأخلاق والعطاء والإقدام والبطولة والتقوى والثبات، حتى آخر نفس أزهقته سياط الجلادين وأدوات القمع القاتلة، وكانت في مقدمة هذه القافلة المشرقة، آمنة الصدر “بنت الهدى” شقيقة المرجع الشهيد السعيد محمد باقر الصدر “قدس سرهما” التي ضربت أروع مثال للمرأة الزينبية العاملة المعاصرة قبل وبعد الاستشهاد في الصبر والثبات حدّ الشهادة!! وجلّ النساء العاملات من اللواتي تأثّرنَ بها وحذَونَ حذوها في مراحل عمرية مختلفة، وكان من الممكن أن تبحث إحداهنّ عن السعادة والحب والاستقرار والمال والأولاد كما جرت العادة في المجتمع، لكنهنّ آثرن الآخرة على الدنيا والموت على الحياة، فكنّ خير مصداقٍ واقعيّ لقوله تعالى: { الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} فهنيئا لهن ولكل الشهداء رجالًا ونساء، أولئك الذين أرخصوا حياتهم وشبابهم فداءً للدين والمذهب، فكانوا ومازالوا قناديل تنير الدروب رغم تقصير المجتمع في حقهم والغفلة عن إبراز مآثرهم ودورهم التضحويّ، ونحن على ذلك من الشاهدين، ومازلنا نأمل أن ينهض المجتمع بمؤسساته الدينية والمدنية بتغطية آثارهم وإبراز تاريخهم المشرّف، والكشف عن حقيقة تضحياتهم، وسبل جهادهم وإخلاصهم قِبال وحشية البعث الظالم وأساليبه القمعية، ليبقى ذلك تأريخًا شاهدًا على الظلم، والأمة التي تنسى عظماءها لا تستحق الخلود كما يقال، لذا؛ على كلّ واحد منّا ممن أنعم الله عليه بمعايشة الشهداء ومعاصرتهم وقتًا من حياتهم، أن يتحدث عن مسيرتهم ، أخلاقهم، صفاتهم كلماتهم النيّرة، إقدامهم، صدقهم شجاعتهم، فهذا من الأمانة في أعناقنا وعلينا أداءها، فإذا كنا نحن ممن أنعم الله علينا في معايشتهم فلا نتحدث عنهم، فمَن الذي سيبلّغ سيرتهم الحافلة بالدروس والبطولة!! ومَن سيُعرّف الآخرين بأنّ أولئك هم مَن مهّدَ لهذا اليوم الذي يرفل فيه الجميع بنعمة التعبير عن الرأي، وحرية الكلمة، وكم من جيل يجهل أنّ على هذه الأرض قد مشى أناس كالملائكة في تقواهم، رجالًا ونساءً صدقوا كأنصار أبي عبد الله “عليه السلام” في إخلاصهم وعشقهم واستعدادهم للشهادة والفداء، وقد يكونون من أفضل مَن جسّد الإسلام الأصيل، في ظلّ حُكم دمويّ لا يعرف الرحمة فيمن يعارضه ولو بالكلمة والإشارة!! حكم كما فرعون زمانه.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} القصص -٤