أساليب التعذيب والجريمة البعثية
جريمة التعذيب والإعدام بالرمي من شاهق ح22
الاستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
باحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
عرفت هذه الجريمة في تاريخ الشعوب القديم، والوسيط، والحديث، والمعاصر، وعرفها الشرق والغرب على حد سواء، وطبقت في كثير من الأنظمة الحاكمة التي وجدتها وسيلة رادعة لأعدائها، أو من تصنفهم مجرمين وجناة يستحقون هذه العقوبة التي تختارها لهم. فمثلا كانت القوانين البابلية القديمة تشرع هذه العقوبة لمعاقبة الشواذ جنسياً، وحتى في الحضارات الغربية، مثل الحضارة الرومانية، وردت هذه العقوبة بحق الشواذ في المجتمع، وقد توارد اعتمادها وسيلة عقاب لبعض الجرائم، والتي من أبرزها الشذوذ سواء في التاريخ العقابي المسيحي، أو في تاريخ العقاب الإسلامي، فقد صدرت بعض أحكام عقوبة (الرمي من شاهق) في عهد أبي بكر، وتوارثها المجتمع الإسلامي عرفياً، وشرعياً، وسياسياً، فطبقت هذه العقوبة، بمن يُفتى لعقابه، أو يُحكم بعقابه، على الرغم من ان نصوص الشريعة لم يذكر فيها حكم بهذه العقوبة لمخالفة شرعية كما هو الحال في الجلد الذي ورد ذكره في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة.
وقد استخدمت هذه الطريقة البشعة من العقاب بحق البرَّ والفاجر في التأريخ البشري بشكل عام، والإسلامي بشكل خاص، وكان أبرز من نُفِذَّت به هذه الجريمة هو الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام، وكانت طريقةَ متبعة مِن قَبل مَنْ تسلط على رقاب المسلمين وحَكَمَ باسم الاسلام وعاقب بهذه الطريقة الجرمية وغيرها.
كما أنْ هذه العقوبة الإجرامية اعتمدت من قبل أغلب الحكام، وقادة الإعدام الميدانيين، في حالات الحرب العسكرية، أو في الانقلابات، أو في حالة الحروب الأهلية، أو حالات قمع الحركات المتمردة أو الثورية، أو مطاردة المعارضين.
على الرغم من دعوات حقوق الإنسان وتشريعاتها القانونية التي وردت في القانون الوضعي، الحديثة والمعاصر التي حرمت الارتجال في تنفيذ العقوبات الجزائية، أو التعسف بحق الخصوم بأي صفة كانوا، والابتعاد عن كلٌ ما يتنافى مع حقوق الإنسان.
فالقوانين الوضعية في بلاد المسلمين، على الرغم من ابتعادها عن مصادر الشريعة الإسلامية في تشريع القوانين العقابية الجزائية – بسبب تأثرها بالقوانين الوضعية الغربية – إلا أنها ضمنت نسبياً حق الإنسان في المعارضة السياسية، وإبداء الرأي، والتظاهر، والاعتراض، ومنعت كل أشكال التعسف في تنفيذ العقوبات، وارتجال الأحكام المنافية لهذه النصوص المقرة قانونياً، كما منعت بأي شكل من الأشكال تنفيذ الأحكام العقابية خارج سلطة القانون، وبعيداً عن المحاكم. وهذا ما موجود فعلاً في التشريعات العراقية، فالمشرع العراقي قد أورد نصوصاً صارمة، في كل قوانينه الجزائية، والنظم القانونية، سواء الفرعية منها، أو مجاميعه التشريعية، تصون للمواطن العراقي حقه وأمانه في بلده من أي تعسف.
ولكن قدر العراق أن يتسلط عليه مجلس قيادة الثورة الذي منح لنفسه سلطة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية مطلقة. فكانت محكمة الثورة هي (اختزال) لهذا الاختزال البعثي لشكل السلطة في العراق. فمنح هذا المجلس المشؤوم سلطة تنفيذ أحكام الاعدام لضباطه واعضاء الفرق الحزبية البعثية، بل حتى لجنوده، في حالات الاعدام الميداني عند المداهمات، والهجوم، وبحق المتخلفين عن المعركة، والهاربين من الجيش، والمعارضين للنظام!
وواحدة من طرق الاعدام والتعذيب التي كانت يمارسها عناصر البعث المجرم هي (الرمي من شاهق) والذي كانت له طرائق مختلفة، وأساليب متعددة، غير تلك المعروفة برمي الضحايا من أعلى البنايات. مثل:
- رمي الضحية من أعلى (آلة الرافعة) إذ تحمله للأعلى ومن ثَمَ تلقي به إلى الأرض، فأما تتكسر عظامه ويترك يعذب حتى الموت. أو تعاد به الكرة لإماتته بسرعة.
- يحملون الضحية في طيارة، وترتفع بالضحية لمسافات عالية جداً، ليلقى الضحية من ذلك الارتفاع لكي يتحقق موته عند وصوله للأرض.
أما (الرمي من شاهق) بطرقه التقليدية، في داخل العراق وخارجه، فكان يتم بالصور الآتية:
- كان يتخذ من أسطح منازل الضحايا أنفسهم، مكاناً لمريهم منه، ويحدث ذلك عند حملات المداهمة، والتفتيش عن المطلوبين للبعث.
- كان ينفذ من أسطح الفرق الحزبية المنتشرة في كل منطقة سكنية.
- كان ينفذ بالمطلوبين والضحايا الأبرياء، إذ يرمون من أعلى العمارات السكنية، أو الفنادق، أو المعتقلات. كما حدث في جريمة رمي الضحايا المعتقلين من أعلى فندق السلام في النجف.
- كانت المخابرات العراقية قد نفذت أكثر من جريمة (برمي من شاهق) بحق شخصيات مستهدفة من قبل البعث، برميهم من أعلى شققهم السكنية التي كانوا يسكنون بها أو كانوا موجودين فيها في أوربا وغيرها.
كل هذه الأساليب المجنونة التي أراد بها البعث الحفاظ على سلطته، ولدت نزعة متوحشة ومتوارثة عند أتباعه ومنهم (فدائيو صدام) الذين نفذوا هذه الجريمة بحق الأبرياء قبل السقوط وبعده، وقد نقلوا هذا الأسلوب المجرم بعد سقوط سلطة البعث إلى الجماعات التكفيرية التي انتموا لها مثل: القاعدة وداعش اللتان نفذتا هذه الجريمة كعقابٍ بحق كثير من أبناء المدن العراقية التي سيطروا عليها وأبرزها الموصل.
صورة توضيحية لجريمة الرمي من شاهق: