banarlogo

أساليبُ التَّعذيبِ والجريمةِ البَعثيَّةِ جريمةُ قَطعِ الأُذنِ وإتلافِها ح20

أساليبُ التَّعذيبِ والجريمةِ البَعثيَّةِ

جريمةُ قَطعِ الأُذنِ وإتلافِها ح20

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

أعتاد حزب البعث القاتل على مخالفة كل القواعد الأخلاقية، والشرعية، والقانونية، والإنسانية، وتميز بقسوة إجرامه فوق العادة، وشَوَّهَ كُلَّ ما هو طبيعي، واجتهد في إيجادِ حالات الشذوذ عما ألِفَتهُ الفطرة العراقية، المتسمة بالطيبة، والعفويَّة، والتَّدين، والبساطة في الحياة. لم يسعفهم الزمن ليدركوا الوعي الكافي المقاوم لقسوة سياسة البعث وجبروته، بالكاد بدأوا يراقبون تشكل دولتهم وظهور متطلبات حياتهم حيز النور، بشارع معبد، ومدرسة بناء، ومستشفى متكاملة، وخدمات متوفرة، ونمط حياة بدأ يتغير معهم تبعاً للتطور الملحوظ في شكل الحياة المعاصرة. جزءٌ من هذا التصور المتفائل والحالم كان مع بسطاء الناس من هم بعيد عن التقلبات السياسية المخطط لها، والطارئة، أو المرتقب ظهورها.

كانَ أشدَّ كابوس سياسي خيم على العراقيين، هو صعود البعث للسلطة، والأخطر منه هو تقليد صدام القاتل زمام القيادة. والأشد خطورة هم أولئك المتقمصون لبعثية صدام الجانحة نحو العنف الشديد، إذ استظهر صدام نزعة الإجرام عند من يحمل نوازع القتل والعدوان من الأوساط الاجتماعية العراقية المختلفة. وكان مثالهم في تبرير سلطة القتل، والاعتداء، والإجرام، وسلب الرحمة، والغيرة.

قَسَّمَّتْ البعثية الصدامية الطبقات الاجتماعية وفئاتها إلى قسمين: الأولى:الضحايا من الأبرياء، والفقراء، والمساكين، والمظلومين، والخائفين، والمغدورين، الذين يجهلون ويسألون بكل براءة، لماذا يحدث كل هذا معنا ؟

والفئة الثانية: هم أهل نوازع الشر، بكل أبعاده! القتلة، الغادرون، الجواسيس، الجلادون، المُعَذِّبونَ، المستخفون بكل كرامة، الذين بددوا كلَّ غيرة، وشرف، وناموس، وقيم. واختاروا أنْ يُظهروا شَرّهُم سِرًّا وعلانية، من خلال تقارير سرية أودت بحياة عشرات الآلافِ من العوائل وقتلت ملايين الأحلام، ويتَّمت عشرات الآلاف من الأطفال، ودمَّرت الآلاف من القرى والمساكن. وأبادت عوائل كاملة. وأحدثوا جرائم متطورة بالشكل، والمضمون، والدوافع، والأدوات!

وواحدة من هذه الجرائم، هي جريمة (قطع صيوان الأذن) وقبل أن يصدر بها النظام السادي أوامره وبالكتب الرسمية، كانت قد حدثت هذه الجريمة من قبل جلادي النظام في السجون والمعتقلات. فكانوا مثلاً: يعذبوا المعتقلين بشد الأذن إلى جلدة الرأس! وكانوا كذلك يفركوا الأذن قوياً حتى يكسروا غضروفها! وكانوا أيضاً يشدوا الأذن بخيط خاص قويٍّ حتى يحفر بها إلى حد التلف بالقطع التقائي. وكانوا كذلك يعذبون المعتقلين بدقِّ الأذن ببسمار إلى الحائط حتى لا يتمكنوا من النوم. وعندما ينام المعتقل من دون وعي منه ولا إرادة ويهوى رأسه سوف تسحب أذنه وتُشرَم. وكانوا يعذبون أبناءنا بضرب الأذن بالأحذية والنعل حتى تتلف. كانَ مجرمو البعث، يضعون الماء الحار في الأذن، لكي تتلف! وكانوا يعرضون أُذن الضحية لصوت عال حتى تتمزق طبلة الأُذن! وكانوا يضربون الضحايا بقوة اليد حتى تتمزقَ الطبلة وتنزف الدم، ويفقد الضحية قدرته على السمع نهائياً، وكذلك شرم وردة الأُذن لا سيَّما مع النساء عند نزع حليتهن بالقوة!

كل هذا التعذيب الذي طال ضحايا البعث المستهتر بالقيم، الخاص به (الأذن) وحدها، كان بسلوك عدواني ممنهج داخل السجون والمعتقلات، ومن دون أوامر إدارية صريحة بكل هذه التفاصيل، بل هو اجتهاد سادي متوحش كان يمارسهُ عناصر البعث الإجرامية.

وبعدها تطور هذا النهج، وأخذ بُعداً إدارياً، أتسم بنقاشات رسمية عليا! وبموافقات قيادات الحكم! وصدرت قرارات أسندت إلى مواد دستورية! وأعدَّت محاكم جاهزة للتنفيذ بقرارات معدة سلفاً وبمحاكمات صورية!

إنَّ استهداف صدام ونظامه الإجرامي (للوجه)، أمر غريب! ينطوي على قصدية التشويه اللاإنسانية، ويريد بها أن يلصق العار الذي يحمله بغيره! مُعتقدا أنَّ العار الذي ينسبه للآخرين بهذه الأحكام والقرارات والتشويهات هو عار مستحق!

حمل القرار المرقم 115 المؤرخ في 18 ربيع الأول 1415 هـ الموافق 25/1/1994م، قرارات من مجلس قيادة الثورة، يستهدف (الأذن) و(الجبهة) كأهم أعضاء بارزة في وجه الإنسان، حتى تكون بائنة وواضحة عند كلِّ مَنْ يَنظرُ لِمَنْ نُفِّذّ به حكمهما. وذلك، لتكون وسيلة إخافة وردع للآخرين، أولاً، وعلامة عار لمن تخلف عن الخدمة العسكرية، يحملها المنفذ به أينما اتَّجه، ثانياً. وقد نال المُنَفَّذ بهم أذًى كبيرًا، أذى نفسي، وأذى بدني، وقد كانت الأجهزة المنفذة تتابع هذه العلامات عند مَنْ نُفِّذَ بهم بين مدة وأخرى، خوفاً من قيامهم بإجراء عملية تصليح أو تجميل! كان المنفذ بهم ضحايا هذه الجريمة، يخجلون من مواجهة المجتمع، فمن قطعت أذنه، أخذ يلجأ إلى ارتداء شعر اصطناعي لتغطيتها، فيما لو لم يكن لديه شعر، ومن كان لديه شعر، تراه يطيل شعره لتغطية أذنه المقطوعة، وبعضهم يرتدي قبعة الرأس، أو يشماغ، أو أي غطاء رأس، لتفادي الإحراج!

 تذكر الروايات الدينية النبوية الشريفة كرامة الوجه، وتنهى عن الاعتداء عليه أو القصد في إلحاق الأذى فيه. بل جاء النهي حتى عن ضرب الحيوان على وجهه؛ لأنه يعبد به الله سبحانه وتعالى. لكن قائد الحملة الإيمانية! كان مستخفا بحكم الشريعة وقواعدها!

 وأما القوانين الوضعية، فقد نهت عن كلِّ وسائل التعذيب وبأي شكل منها، صوناً لكرامة الإنسان، وهذه الوثيقة المرفقة في إدناه والتي أشارت إلى الدستور، كان قد خالفه النظام نفسه، وأخترق مادته الثانية والعشرين التي تلزم بصون كرامة المواطن العراقي! بالمادة الأولى والثانية من هذا القرار المرفق!