banarlogo

نظام البعث وعسكرة الطفولة

نظام البعث وعسكرة الطفولة

 

أ.د. حسين الزيادي

لجرائم البعث سمات خاصة تختلف عن جرائم جميع طواغيت الأرض على مدى التاريخ؛ لأن هؤلاء تجردوا من الإنسانية بالمطلق، فالعصابة البعثية التي حكمت العراق كانت قروية بدوية بامتياز مرتبطة مع الصحراء، وكان الأطفال الضحية الأولى لهذا النظام فهم الفئة الأكثر تضرراً، إذ سعى نظام البعث إلى تهديم النسيج القيمي والاجتماعي للمجتمع بكل قوة من خلال ممارساته الهادفة إلى تثبيت أركان حكمه وضرب أي حركة معارضة، ولم تسلم الطفولة من عبث سلطة البعث ونهجها العدائي المتطرف، فقد تغلغلت التصرفات العدائية في صميم النظام التربوي وأرخت بظلالها على طلبة المدارس لتشكل دائرة للعنف المستدام، وأسهمت في تنمية روح الكراهية والعنف والبغضاء والاضطراب العاطفي، لذا لا عجب أن تضع الأمم المتحدة العراق على قائمة الدول المنتهكة للطفولة.




إن إغناء الطفل بقيم وفلسفة النظام كان هدفاً  استراتيجياً كشف عنه نظام البعث  في أكثر من مناسبة من خلال عسكرة التربية إلى جانب تحويل المدارس إلى ساحة للأيدولوجيات الشاذة، وجعل المناهج التدريسية منسجمة تماماً مع التوجه البعث، والمعاينة الموضوعية تكشف بوضوح أن نظام البعث قد عامل الطفل بوصفه (رجلاً مصغراً) فحاول أن يسير به خارج عمره الزمني ونطاقه المكاني، ويلبسه غير مقاساته ليستعجل رجولته باتجاه عسكرته، ليكون لبنة في البناء المنحرف للبعث، وهذا معناه تدمير مباشر لشخصية الطفل وسيكولوجية الطفولة، فلم يكن نظام البعث يحترم الطفولة البريئة بل لم يكن يفهم المعنى الحقيقي لهذه المرحلة وتأثيراتها المستقبلية، في الوقت الذي أدرك العالم أهمية هذه المرحلة وصار يتعامل معها بكونها واقعاً يجب احترامه.




ومنذ تأسيسه عنى البعث كثيرا بكسب الشباب إلى صفوفه، وجعلهم محط اهتمامه والهدف هو لتأمين مستقبله، وفي الوقت الذي كانت دول العالم تتسابق في مجال العلم والتكنلوجيا والمعرفة كان اهتمام البعث منصباً على ترسيخ أهدافه في عقول الناشئة من خلال وحدته المزعومة وحريته التي لاوجود لها واشتراكيته الكاذبة، وكان هدفه هو المحافظة على أركان نظامه المهزوم من الداخل وإشاعة أشكال من القسوة والوحشية، وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف أسس البعث الكثير من المنظمات التي منحها صلاحيات وواجهات إعلامية ضخمة أهمها الاتحاد العام لشباب العراق، ثم تحولت تلك المنظمات إلى منظمات حزبية كالطلائع والفتوة، وما لبثت تلك المنظمات أن تحولت إلى قوات قتالية مجردة من الوازع الإنساني وكانت عملية عسكرة الطفولة منظمة ضمن منهجية طويلة الأمد تبدأ من المدرسة وحتى مختلف صنوف التشكيلات العسكرية، وكان رأس النظام مهووساً بإظهار العراقيين جميعاً كمقاتلين مستعدين للموت من أجله، فكان هناك أشبال صدام التي احتوت على حوالي 30 ألف طالب تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 17 عاما،  اما ميليشيات (فدائيي صدام)، فهي تنظيمات شبه عسكرية تضم ما بين 18 الف إلى 40 الف مقاتل ومعظمهم من الشباب الذين يتم تجنيدهم في المناطق الموالية لنظام البعث.