الذكرى السادسة لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي
د. قيس ناصر
باحث وأكاديمي
قبل تسع سنين، مع سيطرةِ تنظيمِ داعشِ الإرهابي على مناطقَ عدةٍ من العراق، لم يكن الحديثُ عن هزيمةِ داعش بالأمر اليسير ولا سيما مع الأيام الأولى، إلا أنَّ الأمرَ قد تغيّر مع اصدار فتوى الدفاع الكفائي المباركة وتضحية الأبطال من القوات الأمنية العراقية بتشكيلاتها كافة وتضحيات مُلبي الفتوى.
في سنتي 2014، و2015م صدرت عدة دراسات عن مراكز تفكير غربية تُبين الخطرَ الوجودي للتنظيم الإرهابي ليس على العراق فحسب، إنّما على المنطقة والعالم، إذ أشارت بعض تلك الدراسات ومنها دراسة صدرت عن المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية إلى أنَّ تنظيمَ داعش يشكلُ خطراً وجودياً على جميع دول وشعوب المنطقة كما أنه يُشكل خطراً على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من خلال النشاطات الإرهابية التي يقوم بها مؤيدوه في هذه البلدان، وإن هذا التنظيم الإرهابي قد ساهم في أكبر عملية نزوح بشري عبر التأريخ.
وفي سياق الاحتفاء بالذكرى، ينبغي الاحتفاء بتضحيات أبطال النصر؛ لأن هذا الأمر يُعد مشتركاً لجميع العراقيين، فالاحتفاء بذكرى النصر، وتضحيات أبطالها من العراقيين كافة، يُعد تعبيراً عن وحدة العراق. وفي الوقت نفسه، ينبغي ألا تغيب عنا تلك الجرائم التي ارتكبها التنظيم الإرهابي، مع ملاحظة أن الاشتغال على توثيق ودراسة جرائم الإرهاب ليس بالموضوع السهل، إذ يحتاج إلى قدرات وإمكانيات شخصية للسيطرة على الانفعالات، فـمجموعة المآسي التي حاقت بنا، تُشكل بغير مبالغة مشهداً مخيفاً للغاية ومثيراً للانفعالات من أعمق الانفعالات وأكثرها ألماً ويأساً، فحين يتأمل المراقب لذلك المشهد، يعيش حالة من العذاب النفسي، الذي لا مهرب منه.
ولعل واحدة من الالتفاتات التي ينبغي الاشتغال عليها أيضاً أن الإرهابيين في العراق أقاموا كياناً أسموه الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهذا الكيان قد بُني على أسس إجرامية، مستندة إلى رؤية عقائدية، قد دُرست من بحوث مختلفة قُدمت عنه إلا أن أكثر ما لفت الانتباه هو الطريقة التي عمل الإرهابيون عليها، ولاسيما في إعداد مناهج دراسية بشكل سريع للمراحل الدراسية كافة على وفق أمثال وتطبيقات إرهابية، في إشارة لتخطيطهم وتمكّنهم من صناعة الإرهاب، والتي كانت منسجمة مع طبيعة تفكيرهم، حتى أن الأمثلة التي كانوا يستشهدون بها للمناهج الدراسية مستوحاة من سلوكهم الإجرامي.
ومن الأسئلة التي تُطرح على أية أسس يُمكن للإرهاب أن يدعي لنفسه مضموناً سياسياً ويؤسس له كيان –دولة-، ويتيح لنفسه وضع سياسة عامة لمناهج دراسية؟ وكيف يُمكن أن يكون مرتبطاً بنشاطه الإجرامي في جانب ومنفصلاً عنه في جانب آخر كمناهج علمية؟
ختاماً، هناك ملاحظة أساسية ينبغي تأكيدها، وهي ضرورة استمرارية توثيق ودراسة جرائم التطرف بشكل عام، وجرائم داعش بشكل خاص، ولا سيما في العراق، التي بلغ عددها من سنة (2014-2017)، (10،042)عملية إرهابية على وفق ما جاء في كتاب “جغرافية الإرهاب” الذي صدر عن المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف للباحث الدكتور ثائر الناشي.