التوثيق
أهميته وطرق تدوينه
الباحث عبدالله خريبط رهيف
يعدُّ التوثيقُ أداةً أو وسيلة أو شكلاً من أشكال الفعل الصامت الناتج عن عملية مغايرة أو منافرة لما يريده الموثق، كأن تكون أداة لتوثيق جريمة أو حدث وقع على فرد أو جماعة من قبل نظام أو سلطة، مما يجعل عملية التوثيق هدفاً مباشراً لكل تلك الأنظمة والسلطات، كونها وسيلة فعّالة لإثبات أو نفي الانتهاكات
أو إظهارها، وأدلة للكشف مستقبلاً عن الجرائم بكافة أشكالها، وعلى وجه الخصوص تلك التي لم تحظ باهتمام الكثيرين من قضايا الرأي أو الشأن العام، فهي عنصر رئيس من عناصر العدالة الانتقالية ودليل إدانة واضح المعالم لدى المتتبعين والمهتمين، كما أن التوثيق سلاح فعال ضد من أراد تزوير التاريخ وتظليل حقائقه.
فمن العسير على كل العراقيين بل ذاكرة بلاد الرافدين أن تنسى أو تتغافل ما فعله صدام وأعوانه بحق الشعب طوال أكثر من ثلاث عقود خلت من جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية التي لم يسلم منها سوى الموالين له والمقربين لديه.
ويبدو أن التوثيق يستند على مجموعة من العناصر المهمة والموضوعية منها:
- الشهادات الحية الخاصة بموضوع التوثيق.
- الجانب الفيديوي والصوري للموضوع الموثق.
- تصريح الجهات الرسمية وغير الرسمية.
- مدونات وسائل التواصل الاجتماعي.
- ما توصلت إليه تحقيقات المنظمات والجهات الدولية المعروفة.
ولعل العشرون سنة الماضية بعد أحداث (2003) وسقوط النظام كانت كفيلة بتأسيس ذاكرة عراقية تحفظ ما جرى من انتهاكات بحق الشعب لحكومة حكمت قهراً بالنار والحديد، وأخفت كل صوت عارض سلطتها في أقبية السجون المظلمة، وأذابت آمال وأجساد العراقيين في أحواض التيزاب المركز، وهو ما أَغفلت الجهات الحكومية وغير الحكومية عن توثيق تلك الأحداث المأساوية والجرائم والمقابر الجماعية لشهداء العراق كي تكون شاهداً للأجيال اللاحقة، ورادعاً لكل من يتغنّى بالحكم السابق المباد من المنتفعين سابقاً الذين أُبعد بعضهم عن الساحة السياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بوادر توثيق حقيقية وموضوعية لتلك الجرائم ترتقي بالمآسي والمعاناة والظلم الذي عاناه شعب الرافدين، وهي محاولة في المسار الصحيح لتوثيق ما جرى من أحداث سابقة، وكمثال حي على ذلك ما انتهجه المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، فضلاً عما يعرض هنا وهناك في وسائل الإعلام من تقارير في بضع دقائق إلا أنها تكون محكومة ببعض العلاقات الحزبية والسياسية التي لا ترتقي لما نصبوا إليه من موضوعية في توثيق مأساة ما جرى بحق العراقيين.