حزب البعث واستراتيجية العنف في العراق
الأستاذ عبد الهادي معتوق الحاتم
تفيدُ التجربةُ والمشاهدةُ والقراءةُ لحوالي خمسة عقود خلت “من ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ “، وما رافقها من صراعات واحتدام دموي شديد وفق شعارات لا تزال بقاياها حاضرة حتى يومنا هذا، بأن ثقافة “العنف” والسلاح والقوة وما تحمله من مرادفات واشتقاقات كانت صفة عضوية في بناءات حزب البعث واستراتيجيته العامة وشرطاً من شروط الانتماء إليه، ويعدّها جزءاً من “فحولة” الحزب” و “رجولة” أبنائه في قهر خصومة واستئصالهم عند الضرورة.
وتؤكد الوثائق ومصادر قيادة “البعث”، بأن زخمَ الانتماء لحزب البعث في مرحلة ما بعد تموز ۱۹۵۸، كان مبعثه القوة المفرطة والمواجهة والرد المباشر الذي اتسم به الحزب، ولا يوجد أثر للقضايا الفكرية والثقافية للحزب.
ولعل الفرصة تتوافر يوماً للبحث العلمي في هذا المجال لقراءة الخلفية الثقافية والبيئة الاجتماعية لعدد كبير من الجماعات الإرهابية التي التحقت بحزب البعث بعد ثورة تموز ١٩٥٨في بغداد وفي محلات كانت موطنا “للشقاوات” و”عصابات ” بغداد قبل الثورة، وكأنها وجدت الملاذ والرعاية والاحتواء في كيان الحزب وتنظيماته فاستخدمها البعث ركائز لتفريق التظاهرات الشعبية المسالمة بقوة الرصاص.
لقد حمل حزب البعث لواء العنف وسحق الآخر باعتباره امتداداً للتيارات القومية في العراق بخاصة حزب “الاستقلال” الذي انزوى تدريجياً وانتهت مرحلة حضوره ونشاطه السياسي، فاشتغل على استقطاب المؤسسة العسكرية وزجها في الصراع في وقت مبكر، باعتبارها القاعدة الأمامية والركن الركين في العمل والتخطيط لتصفية حساباتها السياسية مع الخصوم، فكانت الشغل الشاغل لهم جميعاً ، وأعادوا إلى الذاكرة صراعاتهم الأولى في تلك “المؤسسة ” أيام احتدام النزاعات بين الجنرال ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سلمان فلا تعنيهم الثقافة الفكرية والاجتماعية ومبادئ الحوار أو المشروع الوطني، لهذا لم يؤسسوا طوال تلك الحقبة فضاء للحرية والنقد والمساءلة وبناء المجتمع والإنسان لأن الغالبية منهم قد تأكل حضورها بفعل الجمع بين الحزب والسلطة والمؤسسة العسكرية التي انتهت إلى الدكتاتورية وسياسة الغطرسة والبطش والتوسع. وتعدّ تجربة استلام حزب “البعث ” السلطة في بغداد في انقلاب ۸ شباط ١٩٦٣ وما رافقها من عنف وإبادة امتدت عدة أشهر، وكذلك استخدام العنف وحملات البطش بأبناء الشعب العراقي إبان انتفاضة شعبان “آذار 1991 وكمية الدمار الذي لحق بالشعب، مظهر آخر من مظاهر لسياسة العنف التي اتبعها حزب البعث ضد أبناء الشعب.
ولهذا منذ ذلك الوقت أصبح العنف غير المحدد سمة أساسية لحزب البعث وأصبح ممارسوه يتحكمون بالحزب على حساب مفكريه ومنظميه وهو ما غيّر دور الحزب في الحياة السياسية العراقية بعد تغير طبيعته بحيث يمكن القول إنه تحوّل من حزب سياسي ليصبح منظمة ذات طابع مافيوي يمكن أن تقوم بأي دور ترى فيه فائدة لها حيث بوضعه الجديد أصبح الحزب مقادا من قبل بضعة أفراد يتحكمون في آليات عمله وتوجهاته مع أن حزبيين كثيرين ممن آمنوا بالحزب وأهدافه وأخلصوا لها ظلوا في الحزب بفعل الاستمرارية أو القناعة بإمكانية التأثير.