قاموس ترجمة مفردات وثائق جرائم حكم البعث المقبور

قاموس ترجمة

مفردات وثائق جرائم حكم البعث المقبور

د. أحمد الجراح

الأهمية

تمثلُ القواميس حاجة لفهم مفردات كل لغة، وهي تتسم بطابعين الأول شمولي والثاني متخصص بعلم أو اختصاص معين، وفي موضوعنا نتطرق إلى قاموس خاص بموضوع وحقبة معينة وهي فترة دكتاتورية خلفت ملايين الوثائق التي تشكل حقبة من تاريخ بلد، نبدأ من سرديات حروبه ومن ثم قمعه لأبناء شعبه واستهداف الرموز والعلماء والشخصيات وقوائم تطول من الأحداث والمتغيرات والجرائم المرتكبة وما وثق في الكتب والمخاطبة الرسمية التي كانت تدور بين الأجهزة القمعية والدوائر الحكومية الأخرى، وللأسف ما زالت مكتبتنا العراقية فقيرة من تاريخ ذلك النفق الدموي الذي دخله الشعب العراقي وعانى في سنواتهِ ما عانى من القساوة الفريدة من نوعها بجميع حيثيات التسلط والاستبداد.

وبعد تجارب الحوارات ونقل صورة عن ذلك الواقع لمنظمات وأفراد أجانب، وقراءة لمؤلفات تناولت القصص والأحداث محاولة منها لعكس تلك المشاهدات والمواقف للجمهور الخارجي، يتبين عجز هذه المفردات في نقل التصورات من دون التوسع وملاحظة الحيثيات والبيئات المختلفة، ومن هنا ينبغي التفريق بين الكتابات التي تستهدف الجمهور الداخلي وبين التي تستهدف الجمهور العام، من أجل اعتماد الترجمة المناسبة وتناول المفردات الدقيقة لتحيط وتسهل نقل الصورة إلى الأجنبي، وبعد تتبع هذه الأفكار وقعت بين يدي مفردات في نفس الموضوع ذات أهمية في العمل، يمكن تسليط الضوء عليها أولاً والتأكيد على أبعادها وإشكالياتها ثانيا.

التجربة

في مركز توثيق جرائم البعث – مؤسسة الشهداء تشكيل تحت عنوان (وحدة الترجمة) افتتح سنة (2013) يعمل فيه أربعة من المترجمين وهم كل من: (رائد مردان حطاب، خضر علي تركي- مدير علاقات (2021)، محمد سامي شوكه، حيدر حمد جبر، يترأس المركز أحمد مولى الفرطوسي، مدير حالي للجنة النظر في طلبات ذوي الشهداء، يعمل المركز على أهداف المؤسسة في مجال نشر وفضح الانتهاكات التي قام بها نظام البعث[1]، فسعى باتجاه ترجمة الوثائق ونشرها على الموقع الرسمي أولاً ومن ثم طبعت بإصدار.

بلغ عدد الكلمات المجموعة (2069) من أصل (1000) وثيقة مترجمة، لو تم وضعها بشكل تفصيلي على أساس الموضوعات نجد أنها تجمع بين مصطلحات القانون والإدارة والأمن والإعلام والسياسة وغيرها، لتشكل من ذلك مفردات يمكن الاستناد إليها في الرجوع إلى ترجمة الوثائق، يتكرر بعضها لوضع الترجمة المقابلة لها والتي تتناسب مع الاستخدام في الجملة، كما لو لاحظنا مثلا مفردة (ترحيل) بمعنى تهجير أو كما استخدمها النظام المقبور (تسفير) مصطلح يعني به إخراج الأفراد بسبب كونهم (أجانب).

ومع فكرة إعداد قاموس خاص بالمفردات الواردة في الوثائق شكلت بداية يسيرة لكنها جهد واضح ومميز يمكن الاعتماد عليه كنواة لاستكمالها ضمن مشروع قاموس مفردات جرائم البعث المقبور، لكن الملاحظ على الترجمة في هذا المجال يحتاج الالتفات الى أمرين الأول يخص المفردات والثاني يخص النصوص كالتقارير والسرديات والسيرة أو الكتابات بشكل عام عن تلك الحقبة، وهنا ينبغي التعريف بنوعين من القواميس:

أولاً: قاموس جامع لمفردات هذه الحقبة الزمنية وما استعمل فيها من مصطلحات لاسيما عند الأجهزة القمعية ويتبعها التشريعات والتوصيف الحكومي، ليوضع لها تعريف وبيان تاريخ وسبب كل مصطلح.

ثانياً: ترجمة لهذه المصطلحات وتتضح أهميتها في عملية تصدير ونشر تاريخ تلك الحقبة، وللإحاطة نسلط الضوء على المفردات ومن ثم النصوص.

 

المفردات كمصطلح أو رمز

الأول: المفردة أو المصطلح المكون من كلمتين أو أكثر، وهي واردة في أجزاء الوثيقة كأعلى الكتاب الرسمي والمتن والتذييل بصاحب التوقيع والعنوان الوظيفي والذي يرمز بالغالب لاسيما في الأجهزة القمعية إلى الهرم التنظيمي داخل كل تشكيل في الجهاز، فينبغي النظر إلى أمرين:

  1. إعطاء المعاني للكلمات وإيجاد المرادف لها ووضع الاشتقاقات من اجل الإحاطة بشكل أكبر عن المراد والمستخدم في المخاطبات الواردة في الوثيقة.
  2. استكمال المفردات الواردة في الوثائق، إذ لوحظ النقص في كثير منها، كما في العنوانات الواردة والمناصب الأمنية والعسكرية والتشكيلات الإدارية في الأجهزة القمعية وعلى سبيل المثال المفردات الخاصة بالمجرم والتي تحتاج إلى تفسير ليعبر عن انفراده ودكتاتوريته المقيتة، كما اطلق على نفسه اسم (القائد الضرورة) والتي استخدمت في الكتب والمخاطبات الرسمية لفترة من الزمن تعبيراً عن ضرورة وجوده وأهمية فرض ذلك على الشعب، وكذلك اسم (قائد الحملة الإيمانية) تعبيراً عن توجهه في تصحيح المعتقدات وفرض الصبغة الدينية على شكل حكومته، وفي ما يخص التشكيلات الإدارية مثلاً إطلاق تسمية (شعبة النشاط الرجعي) على إحدى تشكيلات مديرية الأمن العامة والمقصود بها النشاط الديني، ومصطلح (مسؤول تنظيمات) الخاص بالهيكل التنظيمي لحزب البعث المقبور، وكذلك مصطلح (الرفيق ) الخاص بعنوان أعضاء ضمن الهيكل التنظيمي للحزب، و(الماجدات) يطلق على المتطوعات في تنظيمات الحزب، هذه المصطلحات وإن كانت واضحة على مستوى اللغة أو العرف العراقي، لكن بمداليلها عند الترجمة تحتاج إلى تعريف.
  3. لابد من الاستناد إلى التقارير والقرارات الدولية كمصدر في وضع المفردات المستخدمة في وقتها وبيان الجرائم التي ارتكبت ووثقت دوليا في هذه المدونات والتي تم ترجمتها في الغالب.

النصوص كتقارير ودراسات ومؤلفات

الثاني: ما يتعلق بالنصوص والكتابات كالتقارير والدراسات، وكذلك كل ما كتب بعد ذلك عن هذه الحقبة من قصص وسرديات وتوثيق للمرحلة، وهذا الجزء معقد على الفهم ونقل خصوصيات البيئة والظروف العراقية آنذاك إلى المجتمع الخارجي، كما نعاني حالياً من نقل القصص والوقائع إلى الجيل الجديد وصعوبة فهمها لديهم بسب تغير الظروف وغرابة الأحداث الإجرامية والحياة بشكل عام في وقتها.

وقد قرأت عن حادثة نقلها أحد الكتاب لا أتذكره، أنه كان يتحدث عن جرائم صدام إلى إحدى المعنيات في مجال حقوق الإنسان وبعصيبة من أجل نقل الصورة عن الواقع العراقي فردت عليَّ بما نصه: انتخبوا غيره..، فأصابه اليأس والاحباط منها كونها لا تعي الواقع المأسوي الذي يعيشه العراقيون آنذاك، وقصص كثيرة أنقل منها واحدة ذكرها السيد رياض الحكيم في كتابه مذكرات في سجون الطاغية : لقد أبلغ رجال الأمن عائلة ( أبي جواد) بأنه قد تم إعدامه وعليهم أن يستلموا جثته من مركز الشرطة، ولما ذهبوا لاستلام الجثة وجدوا بشرته سوداء، فقالوا للجلاوزة إن ابننا أبيض الوجه وليس اسود، فقال لهم رجال الأمن إن سواد وجهه بسب ذنوبه الكثيرة , وعلى كلٍّ، فأخذوه ودفنوه ولكن ابنهم كان حياً وسجيناً معنا، فواجهوه في (25/2/1988) وهم غير مصدقين فهذا النموذج يعكس الواقع المرّ والاستهتار بأرواح الناس ومشاعرهم.

وينقل د صلاح شبر في مذكراته: كتاب أيام اعتقالي في السجون الأمريكية وهو في معرض حديثه عن الواقع الذي يعيشه وهو في إحدى محاكم أمريكا التي كانت تقاضيه على أساس بقائه ومعارضته للنظام: فالمعارضة للنظام بالنسبة لهم تتضمن مفهوما مختلفا عما نفهمه نحن في العراق، وعليه فالسجن بالنسبة لهم يعني جريمة بينما في العراق فإن السجون آنذاك لا تضم إلا الأحرار، ولم يكن دخولهم إلى السجن إلا من أجل خدمة المبدأ، ونظام صدام بالنسبة لهم نظام مشابه لنظام مثلا حسن مبارك في مصر، والذي يمكن المعارض السياسي أن يتكلم أو يحتج أو يتظاهر، وإن ما أرويه الآن هو من ضرب الخيال…

 فهذه صورة يمكن أن يسلط الضوء عليها بحيثياتها لنتمكن من نقل الحقيقة وترجمتها كما هي إلى المجتمعات الأخرى، ومع هذا الإيجاز يمكن أن نحث الخطى بإنشاء سجل للمفردات وباللغة العربية وتعريفها لتوضع لها الترجمة المناسبة وكذلك الوقائع والسرديات لتكون نصوصا محفوظة ضمن سلسلة الجرائم المترجمة والتعريفية لحقبة البعث المقبور.

 

وثائق كأنموذج

وثيقة رقم (1)

الوثيقة تتضمن توضيحا حول حكم بالإعدام جاء بموافقة مدير الأمن العام لشخصين وهما كل من أحمد حميد محمد الخزعلي، ومحمد علي فاضل الربيعي، قاما بتشويه صورة لصدام حسين في ناحية أبي صيدا – محافظة ديالى أمام الناس، وبحضور محافظ ديالى وأمين سر قيادة فرع حزب البعث وأعضاء قيادة الفرع وجمهور من أهالي ديالى، وبنفس المكان الذي نفذ به الشخصان المذكوران (عمليتهم الجبانة) كما تنص الوثيقة حكم عليهم بالإعدام، ولو طالعنا فيها لتطلب شرحاً وتفصيلاً من أجل الاحاطة بترجمتها وايضاحها وإليك أبرز الملاحظات:

  • حكم بالإعدام خارج القضاء.
  • الجريمة التي ارتكبها الشخصان هي (تشويه الصورة) وما هي نوع هذه الجريمة، لأن الصورة تعود إلى (رمز العراق) وهذا اللقب في سياق الألقاب التي تعبر عن الدكتاتورية والطغيان.
  • تاريخ تنفيذ عملية تشويه الصورة هو (17 تموز 1986) وتاريخ إعدامهما هو (24 آب 1986) ومنه يعرف سرعة القرارات الارتجالية والقمعية.

وثيقة رقم (2)

الوثيقة الثانية صادرة من مديرية أمن الكاظمية إلى ضابط أمن الكاظمية ورد فيها نقطتان الأولى: تطلب الاستفسار من السجينة (حليمة جعفر علي) عن العناوين الكاملة والواضحة للعقارات العائدة لها، والثانية: بالإمكان استلامها من قبلكم بعد انتهاء محكوميتها وتسفيرها إلى خارج القطر (إيران) في حالة عدم الإشارة إلى ذلك في قرار الحكم.. وفي أسفل الكتاب هامش ضابط الأمن: تم الاتصال بالسجينة حليمة جعفر علي والدة الأشخاص المرسلين إليكم بموجب كتابنا… وذكرت بأن لديها دارين تجهل أرقامها إلا أنها تقع خلف … في منطقة حي جميلة. وأهم الملاحظات حول غموض المعلومات التي تحتاج الى تعريف عند الترجمة:

  • الواضح من الكتاب والهامش أن السجينة محكومة وكذلك أبناءها.
  • مصادرة العقارات التي تمتلكها وإن لم يتضمن قرار الحكم بذلك.
  • قرار التسفير ضمن القرارات الجائرة والذي انصب على الأكراد الفيلية من مناطهم إلى إيران واسقاط الجنسية العراقية عنهم ومصادرة أملاكهم.

 

الرؤية والتطلع

ينبغي إعادة النظر والعمل على إعداد الأوليات المناسبة لتهيئة صدور هذا القاموس ودعم الجهود الكبيرة لمشروع فريق العمل، إذ تشكل هذه المسالة واحدة من أساسيات توثيق تلك المرحلة المظلمة في تاريخ العراق التي مازالت لم تنشر بالقدر الذي يتناسب مع فداحتها والخسائر التي مني بها الشعب على المستويات المختلفة لتكون تلك الفترة موثقة ضمن أبرز مراحل العراق تدميراً وقسوة.

[1] – قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة 2016، المادة (3) الفقرة (6)