العلاقة بين نظام البعث وكيان داعش الإرهابي

العلاقة بين نظام البعث وكيان داعش الإرهابي

د. عباس القريشي

العلاقة بين فلول نظام البعث الدكتاتوري وكيان داعش الإرهابي في العراق علاقة تتسم بالتعقيد وإثباتها يتطلب تحليلًا تأريخيا وسياسيًا عميقًا.

قد يقول قائل: ما جدوى إثبات العلاقة بعد سقوط نظام البعث وزواله؟

فيقال: إنَّ فهم هذه العلاقة يساعدنا كثيراً في معرفة جذور الإرهاب في العراق ومعرفة العوامل التي ساعدت في ظهور الحركات التكفيرية في العراق مع التعرف على العوامل التي أدت إلى ظهور كيان داعش وتوسعه في مناطق عراقية معينة، وكيف نما وتكوَّن هذا الكيان الإرهابي؟ وعليه فإنَّ هذه السطور تسلط الضوء على العلاقة بينهما، وتأثيرها على الأوضاع في العراق والمنطقة

• سلطة نظام البعث والعصابات التكفيرية: جذور التطرف والعنف

بعد إعلان غالبية الشعب العراقي برفضها الصريح لسلطة حزب البعث وحكومته عام 1991م في جميع المحافظات العراقية ما خلا محافظتين أو ثلاث، أدرك آنذاك نظام البعث مدى تأثير الحراك الديني في القاعدة الجماهيرية التي عمل جاهداً على مسخ هويتها الإسلامية وانتمائها لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) عبر القتل والتشريد والإخفاء القسري ونشر الموبقات والمنكرات، فبحث عن بديل يحمل السمة الدينية ويحل محل فكر أهل البيت ( عليهم السلام)

فلم يجد تفاعلا سوى من التيارات السلفية الساعية لعودة ما يسمى بالخلافة والدولة الكبرى، بعد التنسيق مع السلطات الراعية للحركات الوهابية في الخليج، فكان دخول الحركات المتشددة برعاية مباشرة من سلطة البعث وقدم لها المساجد ومنابرها والأوقاف الخيرية وريعها وأخذت الوهابية تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم ولكن بخلاف ما كان يريده صدام حسين وجلاوزته؛ إذا لم يتفاعل الشيعة مع تلك الحركات بل العكس ازداد تمسكهم وشمروا عن سواعدهم في الذود عن معتقداتهم، وكان انتشار السلفية بين أهل السنة في العراق وهم بدورهم تبلورت لديهم فكرة رفض سلطة البعث و بدأوا يخططون للانقلاب وهذا ما وضع نظام البعث في حرج شديد اضطره إلى تكفير الوهابية على مآذن المساجد ومحاربتها، ولكنه لم يفلح في القضاء عليها، وفي عام 2003م بعد أن أدرك نظام البعث اجتياح العراق واقع لا محال توجه إلى استقطاب واستيراد عشرات الآلاف من المتشددين العرب والأجانب وأخذهم من دويلات تفريخهم، تحت دعوى الجهاد والدفاع عن العراق بوجه المحتلين والغزاة، وبهذه السياسة استطاع نظام البعث أن يغرس جذور التطرّف والإرهاب في العراق قُبيل زوال سلطته.

• نظام البعث وسياسة القمع

اتبع نظام البعث في العراق أسلوب القمع السياسي والاستبداد اتجاه كل من لم يكن منتمياً له ورفع شعار إن لم تكن معي فأنت ضدي ! ونادى صراحة بـ” كل عراقي بعثي وإن لم ينتمِ”!” ومارس التنكيل والتعذيب ضد ضحاياه بوحشية لم يسبقه إليها أحد من قبل وارتكب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ضد أتباع أهل البيت ( عليهم السلام)  والاكراد واستعمل سياسة التطهير العرقي ضد التركمان والشبك والمسيحيين في شمال العراق، فأورث الوحشية والقسوة لكيان داعش الإرهابي بعد احتضان مناطق البعثيين للمتطرفين والمتشددين وإيوائهم وانضمامهم للكيان الإرهابي، فالمتابع للجرائم الوحشية التي أقدم عليها كيان داعش الإرهابي يجدها نسخا طبق الأصل لما كان تفعله سلطة البعث بالعراقيين

 

 

• عناصر البعث وفلوله واندماجهم بكيان داعش.

بعد انهيار سلطة نظام البعث وانهزام قيادات البعث وقواته العسكرية والأمنية بمعركة لم تتخطَ خمسين يوما! لم يكن للبعثيين مآوى سوى انخراطهم في الجماعات الرافضة للاحتلال فمنهم من أعلن توبته! و براءته من نظام البعث ليُقبل انضمامه ومنهم من انتمى إلى العصابات التكفيرية ورفع شعار محاربة النظام السياسي الجديد وأخذ يفجر الأسواق والمساجد والحسينيات ويغتال الأبرياء على الهوية فصنعوا أياما دامية وأراضي للموت الجماعي كما في اللطيفة والمحمودية وجحيش، وجرف الصخر والطارمية والرضوانية وغيرها، ثم أخذوا ينتقلون بين عصابة تكفيرية وأخرى إلى أن تكوّن كيان داعش الإرهابي وفرض هيمنته على نينوى وغيرها، مستغلين الفراغ الأمني والسياسي في بعض الأراضي العراقية ولا يخفى أسباب انضمام البعثيين لهذا التنظيم التي منها : العمل على عودة سلطة الحكم للبعثيين ، وتوفير الدعم المالي والعسكري، والتخلص من وقوعهم تحت سلطة القضاء جراء ما ارتكبوه من جرائم بحق العراقيين وتعقيد الأوضاع لأجل إشغال المجتمع العراقي عن جرائم نظام البعث المقبور التي ارتكبها سابقاً .

• تأثيرات العلاقة بين داعش والبعث

لا يمكن إنكار أن هناك علاقة بين نظام البعث الدكتاتوري في العراق وكيان داعش الإرهابي حيث انضم كثير من العناصر البعثية إلى صفوف داعش وساهموا في تنفيذ هجمات إرهابية وتعقيد الأوضاع الأمنية.