في اليوم العالمي للشباب
فرص تمكين الأمن المجتمعي وتحديات الواقع
د. محمد وليد صالح
باحث وكاتب عراقي
أصبحت المؤسساتُ بمختلف توجهاتها ومخرجاتها سواء أكانت خدمية أم إنتاجية تعمل في بيئة متغيرة ومتطورة، ويتوقف نجاحها أو فشلها على إمكانية التكيّف مع هذه البيئة وعناصرها المختلفة، من جمهور ومؤسسات وجماعات متباينة الاتجاهات والتطلعات والعمل على تأمينها، وكذلك مع هيئات حكومية ومؤسسات أعمال وتشريعات وقيود قانونية وأخلاقية، وهذا التكيّف يتطلب رصد هذه التغيرات ودراستها ووضع البرامج الاتصالية الفعّالة للاستجابة لها بما يحقق مصالح مشتركة بين المؤسسة وبيئتها.
يستند التعاملُ مع جيل الشباب وقضاياهم للتطوير في عالمنا المعاصر على فهمهم فهماً واضحاً، والتعرف على احتياجاته وتفهم آماله وأمنياته، وإن هذا يجعلنا أكثر قدرة على رسم الإطار العام للعمل ليس فقط للتكيّف مع متغيرات اليوم والمشكلات التي تواجهها مجتمعاتنا، وإنما أيضًا لإعداد أجيال المستقبل لمواجهة المتغيرات التي قد تحصل ومنها التكنولوجية والمعلوماتية والتغيير المناخي، فضلاً عن نجاح الرسالة الإعلامية الذي يعتمد على مدى قدرتها في التأثير على أفراد المجتمع ومن بينهم الشباب بهدف بلورة وعيهم وفاعلية مشاركتهم تجسيداً لمتطلبات المجتمع، ووصولاً إلى الارتقاء بمستواهم الفكري والثقافي وتعميق إحساسهم بمسؤولياتهم الوطنية، ومن التحديات التي تواجه تنمية الشباب العراقي وتعزيز أمنهم المجتمعي ومعالجة المشكلات الناتجة عن الفراغ والبطالة والإجرام وآفة المخدرات والمؤثرات العقلية بطريقة واعية، بواسطة وسائل وقائية لتكوينهم الثقافي والإرشاد التربوي لسلوكهم وضميرهم وتوفير الضمانات الاجتماعية والرعاية النفسية والسبل القانونية الداعمة لعملهم، فضلاً عن مطالب الوقاية لترسيخ عواطف الانتماء الوطني.
فالتركيز على التعليم المهني يتطلب معرفة الدولة للقطاع الخاص وقدرة توسعه ومدى احتياجاته المستقبلية لرسم ستراتيجية التربية والتعليم الجامعي الشاملة على توافر الملاكات التعليمية المؤهلة والمراكز المهنية والتدريبية التي تستوعب الأعداد الجديدة، ورصد اعتمادات مالية كافية والعمل على توسيع سوق العمل الصناعي والحرفي، فضلاً عن إحداث تحوّل كبير على استراتيجية الدولة من دولة تركز على الخدمات والقطاع العام إلى دولة تركز على الحقل الصناعي والمهني والقطاع الخاص.
إنَّ عدم توائم مخرجات التعليم مع متطلبات المجتمع أو سوق العمل وحاجاته، يعني أن الدولة تنفق أموال كبيرة على نمط لا يهدف لخدمة المجتمع، وإنما ينسجم مع متطلبات الوظيفة التي بدأت تتقلص إلى حد كبير في الوقت الحاضر مما يتطلب حلول اقتصادية لتفادي الوصول لمستوى الفقر المرتفع والناتج عن قلة فرص العمل، وكذلك إقامة مشروع التوأمة بين المؤسسات في مجال التعليم المهني، من أجل الاهتمام بمشروعات الشباب واستثمارها سواء على الصعيد الحكومي كانت أم الخاص أم المختلط، وكذلك توظيف نتائجها العلمية والعملية ودعمها مادياً ومعنوياً، والسعي لتنمية قدراتهم الاجتماعية ومهاراتهم في مجال العطاء المتواصل لصالح المجتمع.
مما يتوجب على الدولة التخطيط لتوافر فرص عمل جديدة تستوعب التدفق المتواصل للقوى العاملة في اليوم العالمي للشباب، فضلاً عن اعتماد خطة شاملة منسجمة مع أهداف خطة التنمية المستدامة للأعوام المقبلة لإصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية وربط السياسة التعليمية بمتطلبات سوق العمل، لأنها من أهم أسباب البطالة والعمل على إيجاد المعالجة الضرورية لمواجهة المشكلات الاجتماعية الناتجة عنها.