التطرف ومفاهيمه
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
إحدى أهم مشاكل فهم التطرف والتطرف العنيف , هو تداخل مفاهيمه مع جملة من الأبعاد المعرفية, والأخلاقية, والسياسية, والدينية, والاجتماعية, والاقتصادية والانثروبولوجية , والسايكولوجية, والتعليمية, فضلاً عن الدراسات الاستراتيجية, والدراسات المستقبلية, وتخصصات الأمن الفكري , والقانون , وحقوق الإنسان … وغيرها, وكل بُعد آخر يتشكل منه منظور معين في اتجاه ما .
تمتاز مشكلات التطرف بهذا التداخل مما تسبّبت بصعوبة وضع تعريف محدد له, ممكن أن يتضحَ من خلاله طبيعة التعامل مع المفهوم , وكيف نعرف من يتطرف, ويمارس التطرف وعنفه.
هناك ميزة أخرى ترتبط بما يعرف بـــ “الأمن الفكري” وهو مصطلح ظهر حديثاً ,يشير إلى هدف التفاعل الرشيد والعقلاني مع الإنزياحات المتطرفة يميناً ويساراً.
هذه الميزة تعكس حجم المخاطر بين انعدام الأمن الفكري, و تحقيق الأمان فيه, وهو ما يُفسر كثير من المُفاجئات في سلوك الناس مع التفاعل بقضاياهم المحيطية, وما تشكله من مخاطر في ظهور ردود الأفعال العنيفة، فهذه المسافة الخطية تمثل هذه الميزة وتزيد من تعقيد البحث بين الأمرين, وما يقبل منه أو يرفض, تبعاً لسياسة واضعي الأمني الفكري المفترض.
فالتطرف يحتاج إلى إحاطة مفاهيمية منطقية فلسفية, تحد له بعداً معرفياً بدلالات واضحة , يمكن بها أن يُعد مؤشراً على فهم طبيعة تشكله على أقل تقدير, أما موضوع تبنيه وانتشاره , فهذا يتجه صوب توظيفات سياسية وآيديولوجية, تحتاج إلى تعريف خاص للتطرف تبعاً لمؤثرات شعبية وسياسية.
فالأبعاد المفاهيمية للتطرف مهما اتسعت تبقى ضيقةً على الفهم العام, وتبقى مشكلته محدودة بين ثقافات وديانات وسياسات ومجتمعات.
صحيح إن هذا يوفر معالجات مختلفة لمشاكل التطرف وجرائمه بين مجتمع وآخر, إلا إنه يمكن السيطرة عليه أمنياً ومحلياً فقط, وإن كان يحتاج إلى مزيد من الوقت لذلك.
“فالتطرف المنشطر ” عن تشكيلاته الأولية , يمثل تحديا آخر ,يزيد من تعقيده على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة، ويتطلب من دوائر الأمن الفكري أن تُقدم قراءات مختلفة لمشكلة واحدة بعدة صور، مثال على ذلك تعريف التطرف بوصفه ظاهرة عالمية أو تعريفه كظاهرة أقليمية أو تعريفه كظاهرة محلية، وبين هذه وتلك تبقى التشكيلات التنظيمية للحركات المتطرفة تقدم تجارب جديدة في التطرف وعنفه يصعب معها النظر للتطرف بعين واحدة، وهذا ما يُفسر تشعب مفاهيم التطرف عن التطرف, وضيق الرؤية في السيطرة عليه.
هناك موضوعات يصعب تشخيصها عن التطرف وتختفي عن كثير من متابعي هذه المشكلة ومنها المشكلات الاعتبارية والفكرية أما المشكلات الأكثر بروزاً لها هو في المشكلات السياسية والآيديولوجية التي تغفل كثيراً من الدلالات المفاهيم له وتنشغل بدوافع الممارسة ونتائجه على أرض الواقع بشكل أسرع من المعالجات الفكرية التي تحتاج إلى تنظير وإحاطة وفهم وفلسفة.
هنا يمكن أن يُطرح سؤال كيف يتم تطبيق سياسة الأمن الفكري للحد من التطرف عملياً وفكرياً ؟ وكيف نَحد من انشطار مفاهيمه بين متبنيات التطرف نفسه ؟
ذكرنا فيما سبق أن المشكلات الطاغية للتطرف ومفاهيمه, تتضح عندما تمس السياسة والدين وتهدد مبادئهما وكثير من الأحيان تتم معالجة التطرف على أساس هذه المخاوف من التطرف، وما تشكله من تهديد للمعتقدات والأمن، وتغفل الأبعاد الأخرى لمخاطره أو تتم معالجته بسياسة طويلة الأجل ,وقد لا تكون بمستوى الخطر المحدق له، فحينها تُشكل قواه كقوى موازية للقوى النظامية في الدول.
بالتأكيد أن الرؤية الآيديولوجية للأمن الفكري المعالج للتطرف تختلف عن الرؤية العلمية لمعالجة التطرف فكرياً وتختلف أيضاً عن رؤية السياسة لها كما تختلف بالتأكيد عن رؤية المؤسسات الأمنية ذات المشروع الأمني الفكري للحد من التطرف.
هذا الاختلاف يجعل من فكرة وضع استراتيجية موحدة مكتوبة متوافقة مع المؤسسات الأمنية ضرورة لا بد منها لا يمكن معالجة مشكلة التطرف بسياسة أمن فكري أحادية البعد.
أما جواب السؤال الثاني ؛ كيف نحد من انشطار مفاهيمه؟ فهذا يحتاج إلى قدرة فكرية مُكافئة, تلم معرفياً بمحتواها فضلاً عن الإحاطة الراصدة, لكل متغيرات دلالات المفاهيم المنشطرة عن المفاهيم الجذر.
وأخيراً نقول : إن التطرف ومفاهيمه وفر مساحة كبيرة لواضعي السياسات ,مكنتهم من اختراق أنظمةواحتوائها وإسقاطها وكذلك التدخل في النظم الأمنية والتعليمية للدول, بحجة الإحاطة بالتطرف, وتقليص مساحة انتشاره, ومفاهيمه المتداولة.