سبايكر جرح العراق الدامي
الدكتور حسين الزيادي
تبقى مجزرةُ سبايكر الأكثر دمويةً وألماً ووجعاً في ذاكرة العراقيين، فقد تركت هذه المذبحة جرحاً غائراً متقيحاً في جسد الإنسانية، عندما تطرف التطرف في الثاني عشر من حزيران عام 2014 فكانت سبايكر نتاجاً بشعاً لأفكار ضالة ، منحرفة، مسمومة، مستوحاة من نفايات التاريخ، ألفي شاب أريقت دماؤهم ظلما وجوراً وعدوانا، تم إعدامهم بشكل جماعي وقتلوا بدم بارد ورميت جثثهم في نهر دجلة، فهي بحق أكبر عملية غدر عرفها التاريخ الحديث لتكشف بجلاء عن الطبيعية الحيوانية لبعض من حسب على بني البشر، وهي دليل قاطع على دناءة وخسة كل من شارك في هذه العملية التي ينأى لها جبين الإنسانية.
إنَّه الحقد الإرهابي الإجرامي الظلامي الغادر الذي غذّاه التطرف الأعمى، فأنتج مسوخاً بشرية تستلذ بقتل البشر، إنها بحق فاجعة العصر التي راح ضحيتها قرابة 2000 طالب في كلية القوة الجوية في القاعدة العسكرية سبايكر شمال بغداد، وأصبحت المذبحة التي وقعت في القاعدة الأمريكية السابقة رمزًا على وحشية جماعة التطرف الأعمى الذي مني بهزيمة تاريخية في أواخر عام 2017، عقب الفتوى المباركة للمرجعية الدينية العليا .
في مجزرة سبايكر امتزج التوّحش الحيواني مع التطرف اللئيم لينتج جريمة هبطت فيها المروءة والقيم والأخلاق والمعاني الإنسانية، وأثبت الجناة أنّهم من معدن مختلف ومن دين لا صلة له بالإسلام، ومن ملة لا تمّت للعراق بصلة، سبايكر ذلك الجرج الأبدي المتقيّح الذي يأبى أن يندمل، ستبقى جرحاً غائراً والماً لا يهدأ، وستبقى تلك الأحداث دليلاً على بشاعة الفكر وانحراف العقيدة، وخطورة التطرف الذي أسس ومهّد لهذه الفاجعة المشؤومة، إن من قتل هؤلاء هو الفكر الديني المنحرف الذي خلق عناصر ترفض التسامح ولا تعرف غير لغة الكراهية والحقد ورفض الآخر ومحاولة الغائه .
تمرُّ ذكرى المجزرة وكثير من العوائل الشهداء لم تهتدي إلى جثث أبنائها المغدورين، على يد أوباش لا يملكون ذرة من الإنسانية، ويهرع بعضهم إلى التملص من المسؤولية وتذويب الحادثة ، فهل كانت الاجراءات بقدر الدماء التي أُريقت؟ للأسف ذبح شباب سبايكر مرات ومرات ، فلم يماط اللثام إلى الآن عن أسرار المجزرة، فهناك أسئلة مازالت تموج في عقول أسر الشهداء، وللأسفإلاليوم يحاول بعضهم طمس آثار الحادثة وتناسي أحداثها.
أكّد رئيس فريق التحقيق الأممي في حادثة سبايكر من خلال إحاطته إلى مجلس الأمن أن المجزرة هي جريمة حرب وهذا الاعتراف الأممي يدعونا إلى مطالبة الحكومة لتدويل الجريمة وتعريف المجتمع الدولي بها كما يدعونا إلى مطالبة الحكومة بإكمال التحقيقات ومحاسبة المسؤولين ومحاكمة الفاعلين ومطاردة الهاربين منهم بلا هوادة .
ستبقى دماء الشهادة الطاهرة التي امتزجت بمياه دجلة ملهمة لنا نستوحي منها العزم لمحاربة التطرف والتكفير والافكار الشاذة والهدامة ، فشهداؤنا الأبرار الذين غادروا بأجسادهم، ستبقى أرواحهم الطاهرة في قلوب جميع أبناء هذا الوطن، وإن إنصاف ضحايا الفاجعة أقل واجب ، ولا يجب أن تمر هذه المجزرة مروراً عابراً فالعدالة تقتضي القصاص العادل من كل الإرهابيين الذين أيدوا وشجعوا على ارتكاب تلك المجزرة التي اجتمعت فيها كل الأرواح اللئيمة والأحقاد والضغائن الشريرة .