مراسيم العقوبات
قراءة في تقرير الجمعية العامة لسنة 1997
(6)
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
لم تكن علاقة الجمعية العامة في الأمم المتحدة ولجانها الخاصة بحالات حوق الإنسان في العراق جيدة كما تبدو في تقاريرها مع النظام البعثي الحاكم في العراق في حينها،على الرغم من التذكير الدائم باحترام عضوية العراق في الأمم المتحدة، وكذلك مشاركة العراق كطرف في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.
هذه الإشارات، والمخاطبات ، والزيارات، المستمرة للعراق واللقاء مع المسؤولين الحكوميين للمطالبة بإيجاد حالة من الاستقرار في موضوع حقوق الإنسان في العراق، لم تثن حكومة البعث من تغيير نهجها القاتل بحق شعب العراق ، فالواقع الذي اطلعت عليه لجانُ حقوق الإنسان على مقربة أو مبعدة، لا يُطمئن ويزداد يومياً خطورة بالغة التعقيد، يصعب بها افتراض حالة طبيعية في حياة المواطن العراقي.
إلا أنَّ الأمرَ تطوّر بشكل رهيب، وأصبح للعقوبات الجزافية والتعسفية التي تطال المواطن العراقي لأتفه التهم أو حتى من دون تهمه.
“مراسيم خاصة للعقوبات ” تمثل هذه المراسيم النهج الراسخ في حكومة البعث وآيديولوجيته العنيفة السادية والمازوخية، فهي تعد برنامج، وتوجيهات، وأوامر، واجتهادات خاصة ، وفنون تعذيب ، ومهارات قسوة، وشدة ولاء، وعنفوان طاعة ، واندفاع واجب، وممارسة تخصص، واختبار قوة، وتجريب أدوات، وفحص قدرة، وتظهر كذلك رسائل ترهيب للمواطنين بعدم الاحتكاك بمصالح البعث وأزلامه وحكمه ، وتنفيذ أجندات سياسية ذات بعد طائفي وسلطوي، ورهاب أمن وقبضة حكم وسيطرة.
فبشاعة كل الممارسات القاتلة للروح والجسد معاً أصبحت مراسيم لدى حكومة البعث المجرمة ، أما بمراسيم إعدام، أو مراسيم تخويف وإذلال وإهانة وترهيب، وأما مراسيم حرق، أو مراسيم تعذيب، أو مراسيم دفن جماعي وإقبار، أو مراسيم ترحيل وتهجير ، أو مراسيم قطع اللسان، أو مراسيم الجلد، أو مراسيم تعرية السجناء، أو مراسيم قطع الآذان، ومراسيم أحواض التيزاب “حامض النتريك”، أو حتى مراسيم الوقفات الصباحية المطولة لتلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات، والجنود في المعسكرات كانت جزء من ممارسات العقوبات على الإنسان العراقي. أتذكر جيداً واحدة من تفاهات الحزب وممارساته الحقيرة، كيف أوقفنا بطابور إجباي لمدة 3 ساعات ونحن تلاميذ لانتظار أحد قيادات الحزب ليوزع علينا بدلات عسكرية حتى نستعرض بها لتأييد الحرب البعثية العبثية مع إيران، وأتذكر أيضاً كيف تجمع طوابير من النساء وبشكل اجباري أيضاً للمشاركة في فعليات الحزب.
وأتذكر كذلك كيف كانت ترابط سيارات الأمن في أركان الشوارع ومداخل القرى والأحياء السكنية لأحداث حالة من الرعب بين الناس، كل ذلك هو جزء من مراسيم غير معلنة في عقاب الناس وترك الرعب في نفوسهم، والقلق، والخوف، والموت البطيء لهم.
بينما كانت هناك مراسيم معلنة ، تسبقها استعدادات، وتلحقها حفلات فرح بما يقومون به من ممارسات شنيعة، وكذلك تبادل التهاني عندما تتم مراسيم تنفيذ عقوبة معينة بحق شخصيات، ورجال دين ، وشيوخ عشائر، وأساتذة، وحتى قادة عسكريين أو قيادات من داخل الحزب نفسه، وهناك كثير من الفيديوهات تشهد على ذلك، ولعل حتى اللجان الخاصة بحالات حقوق الإنسان في العراق لم تطلع عليها ولا تعلم شيء عنها إلا بعد سقوط النظام البعثي وكذلك حال الشعب .
ذكر التقرير المرقم 106 الصادر في 3 مارس 1997 طبيعة مراسيم العقوبات، والتعذيب الممنهج، والتردي المستمر في حالات حقوق الإنسان الذي أعربت به عن أسفها، واندهاشها، وأعلنت عن قلقها، إزاء تلك الظاهرة التي رافقت سياسة البعث وحكمه الأسود للعراق وشعبه، كما أعلنت الجمعية العامة عن جزعها الدائم من أساليب التعذيب، والقسوة، والعقوبات التي تحولت إلى مراسيم رسمية وغير رسمية بحق الشعب، فهذا الجزع الأممي ! فكيف بالمواطن العراقي !!
كان جزءا من علامات ذلك الجزع ، هو تكرار المطالبات بنفس العبارات، والأسلوب، والتقارير الصادرة من الجمعية في توصيف حالة حقوق الإنسان، ومطالبة الحكومة البعثية في استقلال القضاء وإلغاء قرارات المراسيم للعقوبات، والقرارات التعسفية، والمطالبة بحق الالتزام الحكومي لدولة العراق بعهدي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مع المطالبة الدائمة بتحسين الظروف المادية والمعنوية للشعب العراقي وعده مصدر السلطة في العراق وليس العكس، إلا أن ذلك بقي على مستوى المطالبات، وبقي العراق وشعبه بين سياسية الإبادات، والإدانات، والتعذيب عبر مراسيم خاصة وعامة، رسمية وغير رسمية ، معلنة وغير معلنة.