“الحائط له أذان”
سيكولوجية الخوف للسيطرة على المجتمع
الأستاذ كرار عبدالمهدي تويج
في صغر سني كنت أسمع مقولة ( الحائط له أذان) جملة طالما ترددت في أسماعي عندما كنتُ أخوض حديثاً مع عائلتي بشأن النظام البعثي المقبور إذ كنا نجتمع في منزلنا الصغير وأسمع الكبار من عائلتي يتحدثون عن الدكتاتور صدام ، وعن إجرامه، وظلمه ، وعندما أبدأ بالحديث وبصوت مرتفع قليلاً يقول لي أبي “اسكت الحائط يسمعك” كنت أظن أنَّ الحائط فعلا يرى ويسمع كل ما أقوله كنتُ بعمر ٨ سنوات تقريبا، عندما سألت ماذا تعني هذه الجملة أخبروني أن من يتكلم على الحزب أو على الرئيس بانتقاد ولو بكلمة وإن كنت طفلاً يقوم جارك أو أحد المقربين بكتابة تقرير للحزب وتذهب أنت وعائلتك في خبر كان !.
كان يذهلني مع صغر سني كيف استطاعت الأجهزة القمعية في ذلك الزمن أن تفعل هذا ،وتبني سجناً في كلّ منزل بل وفي كل غرفة! كانت حالة الخوف مستشريه لدى العوائل العراقية، ففي أي لحظه تُطرق الباب وبحجة مخالفة تعليمات الحزب والثورة وبوشاية من أحد الجيران يأخذ أحد أفراد العائلة من رجال أو نساء ليتعرضوا لأنواع الأساليب من التعذيب كالصعق الكهربائي والضرب على باطن القدم (الفلقة) أو إحراق السكائر على جلودهم أو نزع الأظافر من أيديهم وأرجلهم ليشاهدوا الموت المحقق أو يموتون في سجون الحزب، ففي قانون أصدره الطاغية والذي ينص على أن ” يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة كل من أهان بالطرق العلنية أو غير العلنية رئيس الجمهورية أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث لتصل العقوبة إلى الإعدام، لقد بلغ الخوف والرعب بالعراقيين حداً لا يوصف من أي كلمة قد تصدر منهم أو من ذويهم أو من شخص قابلوه للتو يفهم منها الإهانة لشخص صدام وإن كانت بغير قصد .
كانت العلاقة بين المواطنين مرعبة فكل واحد منهم يخشى صديقه أو قريبه، بل أنهم كانوا يخشون حتى من الحائط، فـ”الحائط له أذن يسمع بها ولسان ينطق به “.
لذا استخدمت سلطة البعث الإجرامية سيكولوجية الخوف للسيطرة على المجتمع.
بعض الناس لم يمروا بهذه التجربة لأنهم عاشوا في كنف الحزب الحاكم أو أنهم لا يهتمون بالقضايا العامة للبلد.
لكن الغريب في الأمر أن هناك من يتمنى عودة البعث ويترحم على ذلك الزمن الذي شكّل رعباً حقيقي للعراقيين فهل هذا يستحق أن نتمنى عودته؟