وسائل الدولة في مكافحة التطرّف
د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
نمو جو إيجابي شعبي رافض للتطرّف والإرهاب ومتطلع إلى الوحدة الوطنية والتعايش، ناتج عن عوامل عدة أهمها تبني الحكومة لسياسة تتسم بالانفتاح والإصلاح واحتواء الخلافات بين القوى المختلفة، واحترام مبادئ المواطنة وتلبية حاجات شرائح المجتمع ورغباتهم، ولا سيّما بعد الانتصارات التي حققتها على داعش وتصديها بوسائل سلمية ناجعة لخطاب التقسيم ومحاولاته، فضلاً عن التقدير الدولي لدور العراق الحيوي في محاربة الإرهاب، من طريق المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والناتو والتحالف الدولي ودعم الدول الصديقة المباشر.
هنا يظهر تأثير استراتيجية مكافحة التطرّف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، التي أعدتها مستشارية الأمن القومي عام 2019، لخلق مجتمع عراقي آمن ينبذ التطرّف والكراهية ويؤمن بالسلم والتعايش، بوساطة تنمية بيئة مشجعة للوسطية والإعتدال وترسيخ منظومة القيم الحضارية والإنسانية التي عرف بها المجتمع المتنوع تأريخياً مع التأكيد على مبادئ المساواة والحريات الدينية والرأي والتعبير واحترام الآخر في اطار المصلحة الوطنية، لمواجهة الفكر المتطرّف وسلوكه المنحرف وخطاب الكراهية وشيطنة الآخر، وكذلك استيعاب الطاقات الشبابية وتأهيلها والدمج المجتمعي للفئات التي تعرضت إلى ظروف غير مستقرة.
إنَّ إعداد مواطن يؤمن بهذه الأفكار البنّاءة ومبادئ الديمقراطية والحقوق والقيم الإنسانية المشتركة، واحترام الثقافات المختلفة ويقيم علاقات إيجابية مع أسرته ومجتمعه والعالم حوله، من أجل ترسيخ الروح الوطنية وتشجيع فكر المعتدل والسلوك المنفتح المتسامح، إذ يتطلب ذلك تنسيق استعمال الوسائل المتعددة للدولة وتوجيهها عبر خطط المؤسسات في قطاعات تشمل على التربية والتعليم والأمن، والسياسة الخارجية والداخلية، والاقتصاد والمال، والثقافة والإعلام والتنمية الاجتماعية، وأمن المعلومات والاتصالات، لتتعاضد في تحقيق الأهداف الستراتيجية “نحو عالم ينبذ العنف والتطرّف العنيف”.
وفي هذا المجال لابد من توحيد الخطاب الإعلامي في الأزمات وتكامله مع المسار الدبلوماسي، لرسم أهداف السياسات الاقتصادية والتنموية في دعم جهود المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتعاونها على وفق منهجيات مكافحة التطرّف، ومنها تحقيق العدالة في التوظيف وتكافؤ الفرص ومنع التمييز سواء أكان على أسس إثنية أم دينية أم النوع الاجتماعي، وكذلك الإفادة من الداعمين والمانحين الدوليين في تنفيذ برامج تطوير لفئات الأميين والمعوقين والطبقات الفقيرة توافر لهم مستوى مقبول من متطلبات الحياة، وإعادة إعمار المناطق المحررة من الإرهاب بمناهج التأهيل الفكري، ولا سيّما تفعيل الجهود الرامية إلى تطبيق الاستراتيجيات التنموية لمعالجة مشكلات البطالة، والفئات الهشة في المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة..