banarlogo

العراق بين الإبادات والإدانات

العراق بين الإبادات والإدانات

(1)

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 

لم يحافظ العراق على مكاسبه السياسية ومكانته الدولية , على المستوى الاعتباري, بعد انضمامه للعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة , وقد تدهورت علاقته معها, بسبب سياسة حزب البعث الإبادية المنتهكة لحقوق الإنسان والمخالفة لكل العهود والمواثيق والصكوك الدولية في هذا المجال.

كثيرة هي الانتهاكات التي فعلها حزب البعث بعيداً عن رقابة, ومتابعة, وعلم الفرق الدولية المراقبة لوضع حقوق الإنسان في العراق, وما يدخل ضمن رقابتها وعلمها كانت تقابله بالإدانات الشديدة ! مما جعل الشعب العراقي يعاني لعقود من سياسة الإبادات البعثية.

فإدانات المنظمات الدولية ! لا يخلو أمرها من مفارقة كبيرة للغاية ! بين حكومة ودولة لها التزاماتها القانونية مع شعبها ودولة عضوية أخرى, متجاوزة ولاغية ومنتهكة لها, وبين دول لها عضوية الالتزام بشرف هذه  المواثيق والدفاع عنها , وهي تدعم في الوقت نفسه نظام يدير حرب متعددة المحاور ضد شعبه, واقليمه, وجواره!

ممارسات حزب البعث العدائية الإبادية ضد شعبه وبأشد عنفها , قوبلت بقرارات إدانه , واستنكار, ومطالبة ! وقد ازدادت هذه الادانات بعد عام 1991 أي بعد اجتياح البعث للكويت, وصناعة رأي دولي ضد نظامه, وحلف عالمي بقيادة أمريكا لضرب النظام وجيشه. وهذا يُشير الى التجاهل الإنساني من قبل كل المنظمات الدولية والاقليمية لحقوق الإنسان العراقي, وحصر الأمر بين نظام البعث وأعداه من أنظمة ومنظمات ودول, وقد كانت قرارات العقوبة للنظام دليل على ذلك , فلم يعاقب النظام بل عوقب شعب بأكمله , وقد كان بالأحرى على كل المنظمات الدولية, ومجالس الأمم المتحدة, وجمعية حقوق الإنسان, أن توجه ضربة استهداف مباشرة للنظام من دون شعبه , وليس كما فعلت أمريكا في قراراها بغزو العراق وأسقاط النظام في غضون أيام ! بينما الشعب عانى الويلات من تسلط الدكتاتورية البعثية عليه.

كانت قرارات الإدانة المتسلسلة, والطويلة, والصبورة, والمتفرجة عامل إضافي في فسح المجال أمام النظام في زيادة حجم إباداته, وتنوع أساليبها, بين مقابر جماعية , وحرق , ودفن , وحروب, وحصار اقتصادي , واعتقالات, وسجون, وتعذيب حتى الموت, والسم… وغيرها.

وقد أحصيت أساليب إبادة الناس على يد البعث القاتل بما يتجاوز 200 أسلوب تعذيبي وتصفية معظمها مبتكرة وخاصة بآيديولوجيته الإبادية القاتلة.

مثل هذه القسوة الإيديولوجية المتوحشة الفادحة من قبل البعث, استخدم مجلس الأمن قبالها عبارات : مثل: (ندين, نستنكر, نطالب, نحث, نأمل, نعرب عن قلقنا, نأسف, يساورنا القلق, نعرب عن جزعنا, يسوئنا ذلك) !!! طغيان السواد, والخوف, والرعب , والقتل, والحرمان , والمظالم, وتبعاتها النفسية والاجتماعية المدمرة للناس والتي عبر عنها مجلس الأمن في قراراته في مصطلحات , مثل : (الاختفاء غير الطوعي, التعذيب التعسفي, الاإدام التعسفي, منع حرية التعبير, ومنع الحصول على الغذاء, المعاملة المُهينة, والقسوة في التعذيب). لا تغني عن إنسانية فقدتها الأنظمة بحق شعب العراق الذي سُلم لنظام وحشي , وممارسات إبادة علنية بحق الكرد والشيعة والسنة وكل من يخالفه في الرأي والفكرة. وحرب عبثية ضيعت ثرواته البشرية والمادية, داخلياً وخارجياً , وحصار اقتصادي تسبب بهزالة كبيرة لطبيعة الشعب وقيمه.

قد كان هذا برضا وسكوت دول تقف خلف مجالس حقوق الإنسان, تعمل بها بسياسة أزدواج المعايير, وتكتب بقراراتها الرقابية كل عبارات الإدانة المساوية للإبادة (إبادة= إدانة) ! إذ لا يوجد موقف عملي واحد من كل تلك الدول الأعضاء كان بالفعل يستهدف آيديولوجيا النظام المسعورة ضد قيم الوجود والحياة في العراق. فعقوبة النظام كان القصد بها عقوبة الشعب, فقد كانت خطة تسليط نظام متوحش على شعب مثل الشعب العراقي, خطة مدروسة ,كشفتها ازدواجية المعايير, وتناقض المواقف. خاصة وإن العبارات التي وردت في تقرير الجمعية العامة في بندها 97 والمرقم 145 في سنة 1993, كانت تشير إلى ما تقدم ذكره من عنف بعثي بحق شعبه , مثل عبارة : (انتهاكات واسعة , انتهاكات جسيمة, انتهاكات شديدة) ! وعلى نحو خاص تم ذكر الانتهاكات التي تعرض لها العراقيون في شمال العراق بحق الكرد , وفي جنوب العراق بحق الشيعة لاسيما في مناطق الأهوار, كما كانت تشكو الجمعية العامة على الدوام من عدم استجابة النظام عن كثير من استفساراتها وطلبات التعاون, لا سيما تلك التي تتعلق بمحاولة مساعدة الشعب العراقي في حاجاته من الغذاء والدواء, وهما يمثلان حق الحماية من الموت, وتجاهل حقوقه الأخرى من الحياة التي كانت رهينة إبادة النظام البعثي لأحلامه وأيامه, من جانب, ومن جانب آخر الصبر الاستراتيجي للأنظمة والمنظمات على حكم البعث وسياسته.