banarlogo

حزب البعث عقيدة أم حزب سياسي؟

حزب البعث عقيدة أم حزب سياسي؟

 

الشيخ الدكتور عبدالرضا البهادلي

باحث إسلامي

 

 

   لا يُمكن الحكم ابتداء على حزب البعث بأنَّه حزبٌ سياسيّ أم عقيدة سياسية ما لم نقدم الأدلة على ذلك , وما يمكن أن نقدَّمه من أدلة لإثبات أن حزب البعث عقيدة سياسية كثيرة .

أولاً : شخصية مؤسس الحزب : ميشيل عفلق مسيحي ولد في سوريا 1910 ، درس في فرنسا وقد أولى المستشرق ماسينيون عناية فائقة به ،  وقد قال عنه : ” إنّه أنبغ وأعزّ تلميذ في حياتي” وقد كان يقول ماسينيون لنظرائه الأوربيين:” إنّ الطلاب الشرقيّين الذين يأتون الى فرنسا يجب أن يلوّنوا بالمدنيّة المسيحيّة” .

لقد كان أحد أهمَّ الأهداف للاستشراق هو كيفية القضاء على الأمة الإسلامية من داخلها، ولأجل ذلك عملت المخابرات الغربية بإيجاد الشّخصيات والأحزاب التي يُمكن أن تكونَ البديل عن الاستعمار القديم في احتلال البلدان ، فكان إنشاء وتأسيس حزب البعث ليقوم بهذه المهمة ، وهو القضاء على الفكر الإسلاميّ وتبديله بالفكر المدني العلماني وصولاً إلى الفكر المسيحي …

ثانياً : اعتماد القومية والعلمانية والاشتراكية : من خلال أهداف الحزب وشعاراته وفكره وكتابات نخبه وشعرائه وتوصياته ومؤتمراته تستطيع أن تتعرّفَ على البعث فهو حزبٌ قوميٌّ ، لا يعترف بالدين على كل الأصعدة ، سواء الفكرية أو الانتساب أو التطبيق ويستلهم تصوراته من الفكر الاشتراكي الماركسي وفصل الدين عن السياسة ؛بل هو يساوي بين شريعة حمورابي والجاهلية ودين الإسلام   .

 وقد ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع والمنعقد في بغداد في شهر يونيو من عام 1982م ما يلي: ( وأما الظّاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة ، إن النّضال ضد هذه الظاهرة ـ يقصد الظاهرة الدينية ـ يجب أن يستهدفها (الحزب) حيث وجدت.. لأنها كلها تعبر عن موقف معادٍ للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية). وتقول التوصية الرابعة: “يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز في النشاط الثقافي والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي”.

ثالثاً : القومية هي رابطة البعث : الرابطة في نظر البعث هي الرابطة القومية العربية فهي التي يمكن أن ينصهرَ بها الجميع من أبناء الأمة العربية وتكبح سائر الملل والمذاهب والطوائف والقبائل وفي ذلك قال شاعرهم: آمنت بالبعث رباً لا شريك له ,  وبالعروبة ديناً ما لــه ثان .

رابعا: كيف يربي البعث أبناء المجتمع : يهدفُ حزب البعث إلى بناء جيل جديد يكون طليقا من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية (تعني الدين )، ومشبعاً بروح التفاؤل والنضال والتضامن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية , يقول إبراهيم خلاص ـ فيلسوف الحزب في العراق :”والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التأريخ”.

خامساً : ترسيخ قيم البعث وقطع العلاقة بين الإنسان ودينه : من خلال السلوك العملي لحزب البعث نجد أن حزب البعث ومنذ استلامه للسلطة في العراق ركز على قطع الصلة بين الإنسان ، ودينه وعقيدته ، ولذلك نجد أن حزب البعث حارب الشعائر والزيارة والطقوس الدينية للشيعة ، واعتبر العمل بهذه الأمور من الجرائم التي يحاسب عليها القانون , وقد أعدم من أجل ذلك عشرات الآلاف من المؤمنين والعلماء من أجل القضاء على الظاهرة الدينية في المجتمع العراقي .

سادساً : الإجبار على الانتماء لحزب البعث : أحد أهم الممارسات التي قام بها البعث هو إجبار المجتمع العراقي على الانتماء لحزب البعث وقد مارس في ذلك الترغيب والترهيب من أجل قهر الناس على الانتماء للحزب وملاحقة  .

سابعا : لا وجود لله والدين في الدستور العراقي : إن كلمة الدين والإيمان بالله لم ترد في الدستور لا في صلب الدستور ولا في تفصيلاته ولا في عمومياته ، وكذلك في السياسية الخارجية لا تجد أي صلة بينهم وبين الأمة الإسلامية ،وهذا يؤكد الاتجاه الفكري والعقائدي لحزب البعث وأنه لا يؤمن  إلا بنفسه وذاته في قبال العقيدة الدينية .

 ثامناً : البعث لا زال يشكل خطراً : ولأنَّ حزب البعث حزبا عقائديا ولم يستسلم بعد السقوط ، ولم يقض عليه بشكل نهائي في المجتمع، فهو بعد السقوط عام” 2003 ” والى اليوم نراه قد نمى بشكل كبير في المدن السنية، وصارت هذه المدن الحاضنة لهذا الحزب ،بالإضافة إلى وجود الحزب في مفاصل الدولة والأحزاب السنية والشيعية ، لذلك يمكن القول إن أكثر الدمار الذي يتعرض له العراق من عناصر هذا الحزب وفق عمل منظم لتدمير العراق .

** ملاحظات مهمة

أولاً : وبعد استعراض هذه الأدلة يمكن القول إنَّ النتيجة التي يمكن استحصالها إن حزب البعث عقيدة سياسية جاء بها ميشيل عفلق بخطة ومؤامرة غربية من أجل القضاء على الإسلام بتأسيس هذه الحزب لأنهم ادركوا إن الإسلام ومن أجل القضاء عليه لا يمكن القضاء عليه من الخارج بل يجب العمل عليه من الداخل وحزب البعث وبقية الاحزاب في الدول العربية والاسلامية كان تأسيسها لهذا الغرض .

 ▪ثانياً : يتهم  قادة الشيعة بعد السقوط عدم توضيح ماهية حزب البعث وجرائمه وفكره للمجتمع ولا سيما المجتمع الشيعي الذي بعضهم لم يعرف البعث سلوكاً وفكراً، ولا أدري هل هو بسبب عدم التوفيق، أم أن بعض أعضاء هذه الأحزاب من البعثيين ، أم أن الدّنيا وزينتها ونعيمها أنساهم جرائم البعث الفظيعة التي أنست جرائم الطغاة الأوائل . ؟.

ثالثاً : دعوة إلى الباحثين والقنوات الفضائية والإعلاميين والنخب الثقافية إلى تخصيص برامج وحلقات ومسلسلات يومية لفضح جرائم البعث الصدامي منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا حتى يمكن للمجتمع أن يعرف خطر هذه العقيدة التي لا تزال موجودة ولا تزال هذه العقيدة تلعب دوراً إجرامياً خبيثاً وفاسداً في المجتمع .