banarlogo

الفكر المتطرف …..من التحديات التي تواجه الدولة

الفكر المتطرف….. من التحديات التي تواجه الدولة

 

د. إحسان محمد هادي

 

 

يعد انتشار الفكر المتطرف داخل الدولة تهديداً لوحدتها الوطنية وتماسكها المجتمعي الأمر الذي يجعلها بخطر الانقسامات والفوضى التي تهدد الأمن  والسلم الأهلي والمجتمعي ، لذا لا بد من مواجهة هذه القضية من خلال رسم سياسات وطنية لردعها وحماية المجتمع من هذه الأفكار الخطيرة والهدامة.

والعراق واحد من أكثر الدول التي تعرضت إلى مخاطر الفكر المتطرف وما زال يتعرض، إذ أثّر بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع واستنزف موارد الدولة الاقتصادية وبالتالي على السياسة الوطنية، وأصبح من الواضح لزوم التحرك على هذه القضية بشيء من الاهتمام، فالتطرُّف موجود داخل المجتمع وفي كل حزب وجماعة لتعصبها وانحيازها بالرأي والقناعة في إلغاء الآخر ورفضه، وتكون المجتمعات المتطرفة حواضن للحركات والجماعات الإرهابية ستلقي بظلالها على السياسة الوطنية.

يتصف التطرُّف بأنه موقف “سياسي – ديني – اجتماعي” متشدد يرفض معتنقوه أي فرصة للحوار كما يرفضون أي تلميح حول وجود قصور أو خطأ في فهمهم ويذهبون في جدلهم إلى أبعد مدى ممكن، وكل مدرسة من مدارس الفكر لديها متطرفيها المتشددين، ولكن المتطرفين في جميع الأطياف في نهاية الأمر يرفضون أية تسوية أو حل وسط مع الآخرين الذين لا يشاركونهم آراءهم أو معتقدهم.

فالعراق خرج منتصراً بأشرس حرب بعد دحر أخطر تنظيم إرهابي عرفته البشرية لذلك على الدولة العمل على تأهيل المجتمع في المناطق التي عانت من الإرهاب،  لذا توجّب رسم سياسة وطنية  لبناء مجتمع ما بعد داعش ينعم بالأمن والاستقرار لا بد لنا أن نستعرضَ ونراجع جميع السياسات التي وضعتها الحكومات السابقة وما هو الدور الذي لعبته في تهيئة الفرد والمجتمع لتحمل أعباء الحياة وكيفية مواجهة التحديات والمشاكل وتأثيراتها السلبية.

منهجية السلطة في تعاملها مع التطرُّف على أنه ديني وهو الأكثر الأهمية عندهم، نعم وجهه ديني هو الطاغي لكن علينا التركيز على الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأكاديمي منه التي جعلت له أرضية لانتشاره وتناميه، هذه الإشكالية لم تترجم إلى سياسات فعالة إزاء ظواهر صنفت على أنها إرهاب واعتبار التطرُّف قضية  محدودة، لذلك فمن الضروري إعادة التفكير والتقدير بتأثيراتها على الأمن الوطني والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العراق ،  لذا فإن جوهرَ مكافحة التطرُّف يكمن في كيفية تطوير برامج فاعلة للسياسات العامة للدولة التي تحد من انتشار التطرُّف وأفكاره، وهذا يعني بناء مؤسسات  فاعلة تعني بالتطرُّف وتتبع مساراته.

فقد تميزت الجماعات المتطرفة في العراق باستخدامها العنف المفرط والقتل الجماعي الأمر الذي يسبب الرعب في المجتمع كنوع من الحرب النفسية وتضعيف المعنويات لأفراد المجتمع من مدنيين وقوات أمنية وذلك باعتمادها التكنلوجيا الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي كأداة لنشر الرعب، ولأجل المواجهة والتصدي لها  عملياً يجب على الجهات الأمنية  المتخصصة إعداد قسم متخصص الكترونياً لمراقبة ورصد الفكر المتطرف الذي ينشط على شبكات التواصل  وكذلك على وزارة الاتصالات والجهات ذات العلاقة غلق ومتابعة ورصد صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعات المتطرفة واستحداث صفحات جديدة معتدلة أكثر انفتاح على الأخر وسن قانون وضوابط صارمة على المخالفين.

نلاحظ في العراق محدودية الجهات والمؤسسات المعنية بمكافحة التطرُّف كما أن اهتمام الخطاب الرسمي للدولة بهذه الظاهرة مازال يرتبط بالمؤسسة الأمنية والعسكرية وان الشراكة بين مؤسسات الدولة الرسمية ومؤسسات الغير رسمية كالمجتمع المدني تتصف بالضعف لذا فإن تفعيل الشراكة سوف يحد من نشر التطرُّف وبالتالي خلق نوع من المؤسسات لمواجهة الأفكار المتطرفة في المجتمع وحماية الشباب.

القضاء على تنظيم داعش نهائياً  ينبغي عدم اقتصار معالجة التطرُّف باستخدام القوات الأمنية فقط بل بوسائل أخرى إضافية  فللتطرف مبرراته غير الأمنية أيضاً، وهذا ما يجب أن تتضمنه رؤية كتابة استراتيجية شاملة لمكافحة التطرُّف تستند على برامج التنمية المستدامة من مبدأ المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص والثقافة والتعليم، ولإعداد أي استراتيجية مستقبلية من قبل صانعي القرار تحتاج إلى الأطر الزمنية لتنفيذها أخذه بنظر الاعتبار دراسة مسببات الكراهية والتطرُّف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، وتأثيره على بناء المجتمع وهنا ينبغي أن نضعَ في الحساب تجارب الدول التي عانت من التطرُّف والإرهاب والاعتماد على بحوث ودراسات المراكز المختصة والجامعات من (رسائل وأطاريح وبحوث)، كما تقع على المؤسسات الدينية مسؤولية  تطوير الخطاب الديني والانتقال إلى خطاب التعايش السلمي والبناء بعيدا عن لغة الحرب والتطرُّف، بالإضافة إلى وضع معايير اختيار الخطباء والواعظين في دور العبادة  بما يدفع لتحديد السياسة الوطنية بمعايير المواطنة.

وأن يعزز دعم الحكومة إلى منظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص المتخصصة  ببرامج التوعية والتعايش والسلم الأهلي لدورها الفعال في هذا المجال، فإذا ما أُخِذ بذلك فستكون لدى صنّاع القرار الخطوات الأولى لرسم سياسة وطنية تعالج فيها تأثير التطرُّف العنيف وبالتالي تكون قد وضعت الأولويات في التنفيذ وفق الأطر الزمنية مستثمرة بذلك الطاقات المعطلة  والمهنية.

إن التعامل الجاد مع قضية التطرُّف العابر للحدود كإحدى قضايا التعاون الدولي الفاعلة التي تجعل من السياسة الخارجية للدولة حاضرة في المحافل الدولية، وصياغة خطاب خارجي متوازن والتسويق والإقرار دولياً بوجود خبرة عراقية في التعامل مع الجماعات المتطرفة بأهمية التواصل مع العراق لأجل لاستفادة من الخبرات بمجال تبادل المعلومات والتدريب التي اكتسبت بعد النصر الشامل على أخطر تنظيم عرفته  البشرية على مر التأريخ.