صور من العنف المدرسي في زمن البعث
د. حسام صبار هادي
جامعة ذي قار / كلية الآداب
يقولُ فيكتور هوجو: أفتح مدرسة تغلق سجناً, وهذا ما قد ينطبق على جميع المدارس إلا على مدارسنا في زمن البعث, فهي السجن ذاته , يستحضر الشيخ مراد الأسدي بعض ذكرياته المؤلمة التي عاشها في زمن البعث عندما كان طالباً في مدرسة الكرامة الابتدائية, تلك المدرسة النائية الواقعة خارج أسوار التأريخ والجغرافية, في قرية أهوارية تبعد أكثر من 10 كم عن مدينة سوق الشيوخ جنوب العراق, يقول: لسوء الحظ تم اختياري ضمن طلائع رفعة العلم التي تقام كل يوم خميس في ساحة المدرسة عند الاصطفاف الصباحي, فكان من الواجب علينا أن نتلقى تدريبات اسبوعية لإجادة المسير والهرولة بالطريقة العسكرية, إلى جانب حفظ بعض الكلمات والعبارات القومية للبعث بنسختها الصدامية, وبعد أن يردد التلاميذ الصغار النشيط الوطني ينبري مدير المدرسة الذي يرتدي بدلته العسكرية في ذلك اليوم بإطلاق ثلاث رصاصات بمسدسه الخاص أو رصاصة واحدة ببندقية الكلاشنكوف تحية للعلم, ثم يبادر مدرس مادة الرياضة بإطلاق عباراته الشهيرة بصوت جهوري لتنظيم المسير والتي لا تخلو هي الأخرى من النفس العسكري مثل استعد, استريح, إلى الوراء در, فيهتف الجميع بصوت واحد أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة, عاش البعث, عاش القائد.
في الحقيقة كان الرعب ينتابني كل خميس وأتمنى عدم الذهاب إلى المدرسة, ولكن بعد مدة ليست بالقصيرة تبدد الخوف من هذه الممارسة, عندما علمت بأني أحد رجال الأمة العربية وحامي البوابة الشرقية للوطن العربي! فأنا رجل, والرجل يجب أن يلوك الرصاص خبزاً ويلتهم البارود سكراً, كما كانوا يقولون لنا!!, وتتكرر هذه المشاهد بصور مختلفة في أيام الأعياد والاحتفالات المدرسية, لاسيما في يوم مولد الحزب 7/ نيسان , ومولد الرئيس 28/ نيسان, ويوم الزحف الكبير 15/ تشرين الأول من كل عام, حيث يقام الاحتفال بحضور ورعاية أعضاء الفرقة الحزبية الملاصقة لمدرستنا, فتلقى الكلمات الرنانة والقصائد الحماسية التي تمجد النظام والرئيس وتشيد بمنجزات حزب البعث.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ففي عام 1998 ابتدع النظام تسمية “يوم النخوة” أجبر خلالها ملايين الطلبة على التدريب وحمل السلاح وكنت أحد المرغمين على ارتداء البدلة العسكرية حينها، فكان مشهداً عادياً أن ترى مئات المراهقين يحملون الكتب ورشاشات الكلاشينكوف خارجين من المدرسة متوجهين إلى المنزل, بعدها أسس النظام قوة عسكرية تسمى “أشبال صدام” يسجل فيها الطلبة الذين تجاوزت أعمارهم 14 سنة، لتلقي التدريبات الخاصة بتفكيك السلاح وتنفيذ مهمات معقدة، لا تتناسب وقدراتهم الفكرية والجسمانية, ثم يتم اختيار عدد منهم لتسجيلهم في ما عُرِفَ بـ”فدائيي صدام” المنظمة التي أسسها صدام وقادها ابنه عدي، والمتهمة بجرائم بشعة ضد الإنسانية, وفي 17/ شباط 2001 أصدر النظام قرار تشكيل قوة عسكرية بذريعة تحرير فلسطين عرفت بـ”جيش القدس” الذي حصدنا من خلاله نصيبنا الوافي من التدريب والترهيب المدرسي, كونه شمل جميع طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية.
ناهيك عما كنا نتلقاه في مقاعد الدراسة من دروس التربية الوطنية، تلك الدروس المملة التي نردد فيها أقوال الرئيس ومبادئ الحزب, ومن يفشل في تحضيرها بشكل يرضي المعلم ينظر إليه على أنه فشل في إثبات حبه للوطن وللنظام ويرسل إلى إدارة المدرسة ليلقى عقوبته المجزية, وما كان مرعبا أكثر هو المسطرة الخشبية المغطاة بأنبوب بلاستيكي، التي كان المعلمون البعثيون يلوحون باستخدامها في حالة الفشل باستذكار الدروس أو في حالة الإخلال بنظام الصف.