وثائق من أدلجة حزب البعث للمؤسسات التعليمية (1)
الباحث : عبد الهادي معتوق الحاتم
من الوثائق التي تمَّ العثور عليها بعد سقوط النظام البعثي الشمولي ، وثائق تتعلق بعملية تبعيث المؤسسات التعليمية العراقية ، إذ تُجسّد هذه الوثائق والمعلومات التي سنذكرها في هذا المقال مرحلة خطيرة في تاريخ العراق في أثناء حكم البعث المباد ، وهي مرحلة التبعيث الإجباري للدولة ومؤسساتها التعليمية والخدمية والصحية والإقتصادية .
فبعد استتباب النظام الأمني الذي فرضه على المجتمع العراقي في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن المنصرم بدأ الحزب بتبعيث تلك المؤسسات وإجبار موظفيها للخضوع لسياساته الشمولية , وكان هناك منظمة حزبية لكل مؤسسة تعليمية أو صحية أو خدمية تتكفل كسب العاملين فيها لصفوف الحزب عنوة .
يبدو أن التركيز الأساسي كان يتم على الذين هم دون سن الأربعين ، أي غالبية الموظفين والموظفات ، المعلمين والمعلمات.
وكان الهدف وراء هذه السياسات القسرية للتبعيث هو “الحجز الاستباقي” للشرائح الشبابية في المجتمع وتحديد توجهاتها من خلال “التبعيث الإجباري” .
جاءت هذه الخطوة بعدما تمكنت السلطة البعثية من إخضاع جميع مؤسسات الدولة لأجهزتها البوليسية والأمنية , وكان التهديد الأول في حال رفض الإنخراط في صفوف البعث هو الطرد من الوظيفة كما جاء في موضوع هذه الوثائق الذي هو تبعيث الجامعات العلمية .
الإخراج من سلك التعليم
كانت بداية تبعيث المؤسسات التعليمية والعلمية منذ زمن المقبور أحمد حسن البكر ، إذ أصدر البكر عدة أوامر بعزل وإحالة العديد من الكفاءات وأعضاء الهيئات التدريسية على التقاعد ، وجميع هؤلاء تم إخراجهم من سلك التعليم لكونهم لم ينتموا الى حزب البعث ، ففي وثائق نشرتها المجلة العلمية (العالم الحديث) تفضح فيها ممارسات البعث ضد أساتذة الجامعة ، ومن هذه الوثائق :
قرار رقم 410 / سري للغاية
استنادا إلى أحكام الفقرة ( أ) من المادة الحادية والأربعين من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته بتاريخ 28/3/1978م ما يلي :
أولاً : إحالة الأشخاص المدرجة أسماؤهم ادناه على التقاعد . (تشمل 31 اسم)
١ ) صادق داود الخفاجي استاذ كلية العلوم بجامعة بغداد.
٢ ) جلال مصطفى القريشي استاذ كلية القانون بجامعة بغداد .
٣ ) عبد الكريم عبد الرزاق العطار كلية القانون بجامعة بغداد.
……….
١٠ ) صادق مهدي السعيد أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد .
١١ ) محمد عبد اللطيف مدرس كلية العلوم بجامعة بغداد.
١٢ ) عبد الكريم زيدان أستاذ مساعد كلية الآداب بجامعة بغداد .
……….
٣١ ) إسماعيل إبراهيم محمد مدرس كلية التربية الرياضية بجامعة بغداد .
ثانياً : يتولى الوزراء المختصون تنفيذ هذا القرار .
أحمد حسن البكر / رئيس مجلس قيادة الثورة
صدام وتبعيث المؤسسات التعليمية
وفي زمن المقبور صدام سرى تبعيث المؤسسات التعليمية على بقية الهيكل الإداري ولا سيما الموظفون في الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية بل استغلت ظاهرة الخادمات (الفراشات) في هذه المؤسسات لتحويلهن إلى وكيلات أمن يراقبن التدريسي والموظف , بل والطلبة أيضاً ، فهناك وثيقة تتكون من صفحة واحدة وهي تمثل جواباً من جهة حزبية على كتاب وجهت لها من جهة أعلى منها ، مكتوبة بخط اليد على صفحة مخططة تحت الشعار (أُمة عربية واحدة ، ذات رسالة خالدة) . وفي أسفل الصفحة فضلاً عن ختم الجهة الحزبية المرسلة مع اسم وتوقيع مسؤولها هناك ملاحظة تشير إلى مرفقات إضافية وهي قائمة للأسماء بنسختين وثلاثين تعهدا خطيا , ليس هناك رموز وإشارات غامضة في الوثيقة ، وإنما هي واضحة المعالم والأبعاد من خلال الأسلوب المتبع فيها.
تركز هذه الوثيقة الصادرة من قيادة فرقة راوندوز للحزب البعث العربي الإشتراكي ومكتوبة وموقعة من قبل أمين سر الفرقة ذاتها وهو (عبد الواحد حسام الدين) بتأريخ 7/4/1986 وتحت الرقم 13/746 ، تركز على موضوع محدد وهو إخراج المعلمين والمعلمات غير البعثيين من سلك التعليم , وكما يبدو في الوثيقة فإن هناك رسالة أخرى بخصوص الموضوع ذاته وجهتها قيادة شعبة صلاح الدين لحزب البعث إلى قيادة فرقة رواندوز بتاريخ 12/3/1986 تحت الرقم 13/849 , تتضمن هذه الرسالة الثانية طلباً بأسماء المعلمين والمعلمات الذين يرفضون الإنتماء إلى حزب البعث .
يستنتج في هذه الوثيقة الصادرة من منظمة حزبية بأن الروتين الإداري يغلب على عقلية كاتبها ، لذلك تقتصر إجابته على طي أسماء المدرسين والمدرسات غير البعثيين وهي بالتالي عقلية إجرائية تقتصر على الإملاء والإقرار . وبالعودة إلى تلك الفترة ومعطياتها السياسية والأمنية في العراق نلاحظ العقاب ضد الذين رفضوا الإنتساب لحزب البعث، سرعان ما تحول من الطرد من سلك التعليم والمجالات الأُخرى إلى الإتهام والملاحقة والسجون ، وكان شعار البعث : (إن لم تكن معي فأنت عدوي ) .