عاشوراء ثورة ضد التطرف والإرهاب
البروفسور: حسين الزيادي
جسّدت ثورةُ الإمام الحسين “عليه السلام ” الإصلاح والهداية لكلّ البشرية دون استثناء، فقد سعى سيدُ الشهداء وصحبه الأبرار بتضحياتهم السخية إلى بناء مجتمع إسلامي وإنساني متكامل، رافضاً للتطرف والعنف بكل صوره ومعانيه، وتسوده الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وتتحقق فيه العدالة والأخوة والحرية والمساواة التي تحفظ حقوق الإنسان وكرامته، وهذا يعد ترجمة واقعية للمشروع الإسلامي الذي يقوم على أساس الاعتدال والوسطية، في قبالة المشروع الآخر القائم على التطرّف والانحراف.
وإذا كانت هذه المعاني حاضرة في النهضة الحسينية، فلا عجب أن تُحارب هذه الملحمة الكبرى من قبل قوى التطرف والإرهاب، ويحاولون بكل قواهم أن يمحو أثرها ويزيلوا فكرها ؛ لأنَّها ثورة إنسانية كبرى حدثت في عصر معين لكن إشعاعاتها وقيمها ومثلها ومحتواها الإنساني الكبير بقيّ يشع على كل أمم الأرض، مادام الظلم والاضطهاد قائمين في هذا العالم، وإذا كان التطرف في أحد مظاهره هو الاستسلام التام للظلم فإن الإمام سلام الله عليه كان أول الرافضين لهذا النهج الاستسلامي، لأنَّ لهذا الخنوع آثار مرضية خطيرة، والمتتبع لمسيرة الإمام الحسين “عليه السلام” يجدها تفيض عطاءً واعتدالاً، فهي منطلق لرفع راية الرفض بوجه السلطة المستبدة، فقد مثّل الإمام عليه السلام في مواجهته قوى البغي والتطرف أعظم مبادئ الإسلام في الوقوف بوجه ّ الباطل ومجابهته مجسدا قول النبي الأعظم ” أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”، وجسّد في نهضته الروح النبوية والأخلاق المحمدية والمثل العلوية، فكان الحسين عظيما في كل حركاته وسكناته كما كان عظيما في جميع أقواله وأفعاله، ولم يقدم الإمام على الثورة إلا بعد أن أيقن أنه لا طريق للإصلاح إلا بالتضحية بنفسه المقدسة، فهي وحدها التي تبين زيف الباطل، وترتفع راية الحق عالية.
لا يتحقق الاعتدال والوسطيّة إلا بالرجوع للكتاب الكريم والعترة الطاهرة، والنهضة الحسينيّة كانت تستهدف إرجاع الأُمة إلى الاعتدال بعد تطرفها، بسبب انحراف الخلافة عن مسارها الصحيح، ومن أهمّ مظاهر التطرف في عصر النهضة الحسينيّة: (مشروعية الحاكم الجائر) ، فكانت النهضة تستهدف القضاء على هذه الظاهرة الخطرة التي لو تسنى لها أن تبقى، لما عاد لأحد الحق في معارضة السلطة مهما بلغ جورها وظلمها وتعسفها، لذلك جاءت ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” حتى تبين انحرافات الحكم وتظهره بمظهره الحقيقي، وأن الفكرة التي حاول هذا الحكم أن يرسخها في أذهان المجتمع هو عدم جواز الخروج على الحاكم مهما تجبر لأن في ذلك شقا لعصا المسلمين ومخالفة لأقوال الرسول الكريم، وهو أمر لا أساس له من الصحة ، بل إنَّ الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله هو لزوم الخروج على الحاكم الجائر لا عدم جوازه، وقد نجح المعسكر المتطرف في تظليله الإعلامي بل وحاول الجهاز الإعلامي الفاسد للدولة الأموية بعد مقتل الإمام عليه السلام أن يخلق حالة استمرارية في التضليل وغسل العقول ، فعند باب دمشق جاء شيخ شامي وهو واحد من ضحايا التضليل الإعلامي الرسمي، دنا من قافلة سبايا أهل البيت عليهم السلام، ورفع يديه إلى السماء مبتهلا إلى الله قائلا (الحمد لله الذي قتلكم وأراح البلاد من رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم)، ومن هنا يتضح مقدار الزيف الإعلامي الذي مارسته السلطة، وهذا التظليل كان بإمكانه أن يستمر لولا دماء سيد الشهداء وعترته الأطهار التي كشفت الزيف والتظليل.
إنَّ الإمام عليه السلام هو المسؤول الأول عن محاربة التطرف في عصره والمعني به أكثر من غيره، وهو بذلك يُشير إلى مسؤوليته في إرجاع الأُمّة إلى الاعتدال والوسطيّة، وأنَّ غيره لا يستطيع ذلك، لعدم امتلاكه المؤهلات التي يمتلكها الإمام الحسين عليه السلام، لكونه من (الأُمة الوسط) ومن (العترة) التي يقاس الاعتدال بهم وتعرف الوسطية من خلالهم.
إنَّ أحد جوانب محاربة التطرف والإرهاب هو استحضار حقائق النهضة الحسينية ومبادئ الفكر الحسيني، ويظهر جلياً من تفاصيل عاشوراء مقدار العنف اللامتناهي الذي استعمل ضد آل بيت النبوة وإنكار حقوقهم، والمتتبع لسيناريو المعركة يلحظ بوضوح من خلال سير المعركة وأحداثها طريقة القتل والتمثيل والسبي مقدار العنف اللامتناهي الذي يحمله المعسكر المتطرف، وإذ كان التطرف في الأساس هو إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها، لذا نحن مطالبون أن نجعل من ٳحیاء ذكری واقعة عاشوراء الأليمة حافزا لمحو فكر وثقافة العنف والتطرف، وإلهاماً لتوطید أواصر المحبة ومبادئ التسامح والتعايش لإرساء الاستقرار والسلام ، والتوجه بصدق نحو إرساء عالم متحضر متآخي لدحر الاستبداد والظلم والإرهاب الأسود مستلهمين ذلك من مواقع وسلوك ومنهج ثورة الإمام الحسين ومن مصادق جهاده المحمدي النقي الذي رفض الظلم ، وأننا كمؤيدين حسينيين مؤمنين بالفكر الحسيني، تقع علينا جميعا مهمة توضيح وما تحمله عاشوراء من مبادئ اصيلة وقيم عظيمة يمكنها أن تجعل من عالمنا أكثر عدلا وإنصافاً.