banarlogo

أثر الإعلام المسالم في إشاعة نمط الاعتدال وثقافته ومحاربة التطرف

أثر الإعلام المسالم في إشاعة نمط الاعتدال وثقافته
ومحاربة التطرف

الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس
جامعة الكوفة

كل ما يجانب العقلانية ومصاديقها يبقى في طرفي إفراط وتفريط, أو تطرف في نقص أو زيادة. لذلك من الضروري أن تفرضَ العقلانيةُ نفسها على ميادين مختلفة, كواقع حقيقي, ومصدق, وحتى تكون العقلانية مقبولة في الأوساط الاجتماعية, عليها أن تحاكي كل المجالات, بما فيها الوسائل الإعلامية, التي تكون في العادة بيد السلطة, أو بيد رأس المال, فهي تتوجه تبعاً لذلك, أيديولوجياً, وفكرياً, وسياسياً, وعقائدياً.

تبقى الأصوات معتدلة ما دامت متصالحة مع نفسها ومع الآخرين, ما أن تتضارب المصالح في أيّ مجال مما ذكر تبرز حينها الأصوات المتطرفة وتتصاعد وتيرتها, تبعاً لشدة الخلاف حتى يصل مراحل الاقتتال, والتصفية, والإرهاب ضد الخصوم بكل أشكاله.
لدينا أمثلة كثيرة من تاريخ العراق البعيد, والإسلامي, والحديث, والمعاصر, بقيت فيه الأحقاد الطائفية, والسياسية  المصدر الأساس في جعل بيئته كموطن خطير لاستيطان العنف, واقتران المتناقضات, وتفاوت القيم على الرغم من وحدة مصدرها فيما لو اعتمدنا الإسلام مصدراً لتلك القيم غير العروبة مثلاً, أو العروبة والإسلام معاً مع التفاوت القيمي بينهما.

ظهرت هذه الاحقاد في أصوات بعض المنابر, وتجسدت بسلوك إقصائي يصل إلى القتل, تمثل شاهد معاصر في تجربة الاحتلال العثماني للعراق, فضلاً عن ما ترسخ من ذلك الاحتلال, وما سبقه وما تلاه, في بيئة المجتمع العراقي. وتذكر المصادر التأريخية أن أكثر مستوطنات العنف, والخطاب المتطرف في المجتمع العراقي  مرجعه الاحتلال العثماني له, وبالخصوص مرحلته الحديثة السابقة على تأسيس دولة العراق, وما بعد التأسيس.

تتسبب أحادية الخطاب السائد, بفعل نسقية الحكم- وإن كان احتلالاً- بظهور وتنامي الخطاب الإعلامي المتطرف, بل وتوجيهه سلطوياً نحو التطرف, وسبب هذا الطغيان لهذا النوع من الخطاب, هو انعدام ما يقارن به من أصوات معارضة, أو وسائل إعلامية مضادة لما ينشر ويشاع. وهذا ما يزيد من ثقافة التظليل, والرضوخ للماكنة الإعلامية التي مهمتها توفير القناعات بخطاب السلطة وقبوله. وما امتداد عمر السلطة العثمانية في حكم العراق, وجزء كبير من العالم الإسلامي لمدة أربعة قرون, إلا تأكيدا لفاعلية جزء من وسائل السلطة الإعلامية الذي عزز القناعة بخلافة الحكم الإسلامي, والحال نفسه ينطق على أنماط الحكم, وأنواع السلطات التي توالت على حكم العراق, وإشاعة ثقافة الاعتدال أو التطرف.

إن كل ما نشاهده ونعرفه من واقع المجتمع العراقي يثبت أن هناك عنفا مستوطنا, وتطرفا متواريا خلف اتزان المصالح نسبياً, وإرهابا كامنا خلف تاريخانية التجربة القاسية التي تكررت بفعلها على موضوعية الجسد, والنفس, والروح العراقية.
فالمجتمع العراقي بحاجة إلى جبهة إعلامية معتدلة تخاطب العقول, والنفوس, وتعمل على تصليح ما تكسر منها, بفعل سيرورة الزمن وصيرورات سلطته, نشهد اليوم الآلاف من الوسائل الاعلامية التي تضخ موادها على نفس العينة الاجتماعية وموضوعاتها, بتفاوت حجمها, وأثرها, وفاعليتها على مجتمعنا. التقييم الأولي لها أنها وسائل ترتبط بأدوات رأسمالية مغرضة بشكل خاص, أو مرتبطة سياسياً بأجندات حزبية أو انتمائية معينة, توجه المادة الاعلامية بطريقتها الخارجة عن السياق الأخلاقي بالعادة, أو المهني, أو العقلاني, لتحقيق هدف, أقل ما دون أن يوصف أنه يؤسس لمرحلة متهورة من الحكم, والقناعات, والأفكار المتناقضة عن أي قضية ما, وهذا بمرور الزمن يحرف المجتمع عن وسطيته, ويجعله ميال للتطرف, ويجانبه الاعتدال في السلوك والتفكير.
لذلك فهو بحاجة إلى آليات معتدلة في خطابه الاعلامي تساعده على فهم واقعه أولاً, ورفض المنصات المتطرفة ثانياً, حتى نقلل من فاعليتها على الوعي الاجتماعي, ومن ثم انحسارها من الميدان العام , وهذا يحتاج إلى رقابة اجتماعية, وتدخل الحكومة وقوانينها, لردع الأصوات المتطرفة ومحاسبتها وملاحقتها, من أجل السلم الأهلي والمجتمعي.