ataba_head

التطرف والسياسة الوطنية /1

التطرف والسياسة الوطنية /1

اللواء الركن الدكتور
خالد عبد الغفار البياتي

 

 

التطرُّف هو موقف (سياسي – ديني – اجتماعي ) يرفض متبنيه أي فرصة للحوار, كما يرفضون أيَّ تلميح حول وجود قصور أو خطأ, فهم يذهبون في جدلهم إلى أبعد مدىً ممكن, وأغلب مدارس الفكر لديها نزعة متطرفة, والمتطرفون فيها يرفضون في نهاية الأمر أيةَ تسوية أو حل وسط مع الآخرين الذين لا يشاركونهم آراءهم .
والتطرف, والتعصب, وجهان لعملة واحدة, فإنَّهما يولدان العنف من منطلق الإحساس بأنّهم متعصبون بما يؤمنون به , فعالم المتعصبين واحد ويتداخل مع جميع الأديان, والآيديولوجيات والطموحات السياسية , فالروافد التي تغذي مستنقع التّعصب تأتي من مصادرَ مختلفةٍ, وقد يفصل بينهما التأريخ, والجغرافية, والجنس, أو أشكال الظلم, والحرمان المتعددة.
ولو تمعنا بأهم الأبعاد الخطرة والتي تؤثر على السياسة الوطنية في مكافحة التطرف في العراق يمكن أن نجملَها بالآتي :

أ . إنَّ التطرف ظاهرة عالمية متعدية الحدود, وهي لا تقتصر على الدول العربية والإسلامية, بل أيضًا الدول الغربية, والمجتمع الدولي مسؤول عن انتشار الأفكار المتطرفة . فقد اعتبرت الدول العربية موطن الأفكار المتطرفة بعد أحداث 11 أيلول, فضلاً عن مشكلة الفقر, وغياب الديمقراطية, وتنامي التيارات الإسلامية في المنطقة, والعراق واحد من هذه الدول , يقابله الديمقراطية المفرطة في أوربا والتي سمحت لمواطنيها الانخراط بالجماعات الراديكالية, والسفر عبر الحدود إلى دول أخرى, وخاصة في مناطق الصراعات والتي عُرِفَت لاحقاً بظاهرة المقاتلين الأجانب, والذين أصبحوا فيما بعد قادة في التنظيمات الإرهابية والتي وصلت أيضاً إلى العراق.
ولمواجهة هذا البعد فأننا أحوج ما نكون إلى تحالف الشعوب, والأمم في مواجهة الكراهية التي تؤمن البيئة الخصبة للتطرف, والسلوك العنيف المؤدي إلى الإرهاب المهدد للقيم الإنسانية, وعليه من الناحية العملية ينبغي عند رسم السياسة الوطنية العراقية التعاون مع أطراف متعددة للتحالف الدولي إقليمياً, ودولياً, لدفع الخطر عن الأمن الوطني العراقي , بحسابات سياسية متوازنة مع الجميع .

ب . لقد اعتمدت الجماعات المتطرفة في نشر أفكارها على تكنولوجيا المعلومات, ووسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ خططها ؛ وذلك لانخفاض تكاليفها, وسرعة وصول المعلومة وانتشارها على الرغم من جهود المراقبة على تطبيقاتها إلا أنها تنفذ , ولمواجهتها فعلى وزارة الاتصالات , والجهات ذات العلاقة , غلق, ومتابعة, ورصد صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعات المتطرفة, والجيوش الإلكترونية, واستحداث صفحات جديدة معتدلة أكثر انفتاحا على الآخر, وسن قانون وضوابط صارمة على المخالفين .

ج . امتازت الجماعات المتطرفة في العراق باستخدام القوة المفرطة, والقتل الجماعي, وهذا ما فتح الباب أمام المواجهة المسلحة مع القوات الأمنية, ولم يترك المجال للمعالجات الأخرى ،وبعد القضاء على داعش ينبغي عدم اقتصار معالجة التطرف باستخدام القوات الأمنية فقط , بل باعتماد بوسائل أخرى إضافية, والتطرف له مبرراته غير أمنية أيضاً مثل: الثقافية, والفكرية, والتعليمية, وهذا ما يجب أن تتضمنه رؤية تنفيذ استراتيجية مكافحة التطرف على برامج التنمية المستدامة, من مبدأ المواطنة, وسيادة القانون, واحترام حقوق الإنسان, والعدالة الاجتماعية, وتكافئ الفرص, والثقافة المجتمعية , بما يخص إشاعة ثقافة الاعتراف بالآخر المختلف, والاعتذار, والإقرار بالخطأ, وابداء الرغبة بالتسامح .